مفكرة معايشة الريال ماجد الحجيلان
|
يقول شاعر مرهف في شعره ومرهف في إنسانيته على حد نيتشه لمن يلح عليه بالنشر نثرا إذا لم يجد من الشعر جديدا؛ إنه يتورط بالنثر.
وإن كتابة عشرين قصيدة أهون عليه من كتابة صفحة واحدة نثرا، ذلك أن النثر على حد وصفه يعريه ويكشفه أكثر مما يداريه مجاز الشعر، وأن المعاني المخبوءة في القصيدة تظل مغاليقها تخترع المفاتيح الخاصة لكل من يلج بابها متسلحاً بفهمه وأدواته، بينما لا تستطيع مع النثر إلا أن تقول شيئاً واحداً له ملامح واحدة وأن تتوقف المعاني عند شيء واحد له إلزاماته التي يصعب التخلي عنها، وهنا يكمن الفرق.
هذا الحكم منفتح على تأويلات عديدة ويمكن مناقشته من أوجه مختلفة، ولكن ما هو أهم منه هو الدافع الملح وراء الكتابة نثراً بعيداً عن مجالات الإبداع التقليدية، التي يجد فيها المبدع متنفساً له مبرراته، يكتب كاتب ما منذ زمن طويل حتى نسي أنه يكتب أو لماذا يكتب. يلوك ما يكتبه من عشرين عاماً ويعيد إنتاج الأفكار ذاتها موسمياً حتى يمكن قراءة سطرين في أعلى المقالة وأسفلها ليعرف ماذا سيقول، ويكتب كاتب آخر منذ ثلاثين عاماً ليتحدث عن نفسه وعن رأي الناس فيه وعن صداقاته وأحلامه، ويكتب آخر منذ خمسين عاماً عن الموتى الذين عرفوه وثمّنوه وعن صداقاته مع الزعماء والمشاهير والمفكرين والراقصات، ويكتب كثيرون لأنهم يقتاتون مما يكتبون ولأن الصحيفة لا تسأل عم كتب ولا يهمها رأي القراء فالغرض هو تسويد هذه الصفحة وأن تجد وحوش الطباعة الحديدية ما تطحنه بين أضراسها كل يوم.
لا يمكن حصر المرات التي كتب فيها مبدعون عن دافعهم وراء الكتابة ولا يمكن أيضاً حصر الأسئلة التي استنطق بها الكتاب عن وظيفتهم في هذه الحياة، ففي الدافع وراء الكتابة سر خاص يستبطنه كل كاتب؛ فمن يكتب ليعرف بعد أعوام أنه تورط في الكتابة وأن هواه غير ذلك، ومن يكتب في شأن وهو يجيد غيره، ومن يكتب ليعظ الناس ويسفه أحلامهم ويهددهم ويستتيبهم وقد ينسى في غمرة الوعظ ولذته أن الكذب ليس فضيلة هو الآخر.. قلة هم الذين يكتبون كما يعيشون إذ يعيش الكاتب حياتين حياة في كتابته وأخرى في شخصيته التي دلف بها إلى هذه الحياة أول مرة.
hujailan@hotmail.com
|
|
|
|