لقد اعتنى الإسلام بكلّ جوانب حياة الإنسان وشرّع له من الأحكام ما يجعله سعيداً في الدنيا والآخرة، فقال تعالى ممتنّاً على عباده:{واللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [سورة النحل:72 ].
وقد جعل الإسلام للأولاد حقوقاً على والديهم، لابدّ من مراعاتها والالتزام بها، وهذه الحقوق لها أنواع كثيرة مادّية ومعنويّة، تبدأ منذ بداية اختيار الزّوجة الصالحة مروراً بمراحل الطّفولة والشباب وتنتهي بنهاية حياة الإنسان.
ونبيّن أهم الصّفات الواجب توافرها في الأب والأمّ المربّيين:
1- أن يكون قصد الوالدين في تربيتهما لأولادهما كسب رضاء الله عزّ وجلّ، وحفظ أمانته مع ما لأولادهما من محبّة قلبيّة زرعها الله عزّ وجلّ فيهما.
2- أن يكون هدف المربّي وسلوكه وتفكيره ربّانياً، كما قال تعالى:{وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ} [سورة آل عمران:79].
3- تنشئة أولادهما على حبّ الله تعالى والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وآل بيته الطّيبين الطّاهرين والصّحابة والتّابعين، وغرس محبّة الله والإيمان به في قلب الولد.
4- تعليم أولادهما أركان الدّين وتحفيزهم على أداء العبادات منذ الصّغر، ومنحهم الهدايا والمكافآت على ذلك.
5- العدل بين الأولاد، وعدم إيثار أحدهما على الآخر، والتّوفيق بين رغباتهم ومصالحهم ما أَمكن، وجعل المساواة عنواناً للتعامل معهم.
6 - ضرورة اتصافهما بسعة الصدر ورجاحة العقل وحسن التّصرف أثناء التّعامل مع الأولاد، مع تحكيم العقل وضبط الانفعال وتهذيب الخلق.
7- القدوة الحسنة وعدم مخالفة الفعل للقول، وتعليمهم على الصّدق وعدم لومهم إنْ صدقوا معه، ونهيهم عن الكذب وتوبيخهم إنْ كذبوا.
8- تشجيع الأولاد على صلاة الجمعة والجماعة في المسجد.
9- الحِلمُ والحياء صفتان مهمتان للغاية في بناء الأجيال النّاشئة، ويجب تعليم وتغليب ثقافة الصبر لأولادنا، وصولاً للحِلم والحكمة، وتعليمهم آداب الاستئذان وصولاً لتمام الحياء، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام لأشجّ عبد قيس: ( إن فيك خَصلتين يحبّهما الله: الحِلمُ والحياء ) (1).
10- أن يكون الأب حافظاً هيبة كلامه، فلا يوبّخ طفله إلّا حين تقتضي الضّرورة ذلك، ولتكن الأمّ راعية لأبنائها تزجرهم عن القبائح وتُحبّب إليهم الفضائل.
11- القصد في الموعظة وتقليل الكلام وعدم الإطالة، وأن يكونا حريصين على أداء العبادات، ملتزمين بالشّرع في شكله الظّاهر والباطن؛ ليكونا قدوة لأولادهما.
12- أن يكونا صبورين على معاناة تعليم أولادهما، وأن يتزودا بالعلم والمدارسة، وقادرين على تنويع أساليب التّعليم، ومتقنين لها مع معرفتهما للأسلوب الذي يصلح لكلّ موقف من مواقف التّربية والتّعليم، وأن يكونا متفهمّين لمشكلات الحياة المعاصرة وعلاج الدّين الإسلاميّ لها.
13- تعريف الأولاد بالحلال والحرام في جميع التّصرفات، وتطبيق مبدأ الثّواب على فعل الخير ومبدأ العقاب على فعل الشرّ، وعدم الدّعاء على الأولاد بالهلاك ويجب الدّعاء لهم بالهداية والصّلاح.
14- الرّفق والعطف بالأبناء ضَرُورَة تَرْبَوِيَّة وسُّنّة نَبَوِيَّة كَرِيمَة ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الله رفيق يحبُّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف) (2).
وقد كان عليه الصّلاة والسّلام يعطف على الحسن والحسين رضي الله عنهما ويلاطفهما ويحملهما في صلاته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنّا نصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء، فكان يُصَلِّي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما، فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا، فلمّا صلّى، جعل واحداً هاهنا، وواحداً هاهنا، فجئته، فقلت: يا رسول الله! ألّا أذهب بهما إلى أمّهما؟ قال: «لا» فبرقت برقة فقال: «الحقا بأمكما» فما زالا يمشيان في ضوئها حتّى دخلا (3).
وما أحسن قول أبو العلاء في إشارته إلى مَسْؤُولِيَّة التَّرْبِيَة:
وينشأ ناشئ الفتيان منّا
على ما كان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحجى
ولكن يُعوّده التّدين أقربوه
ونسأل الله أن يصلح أحوالنا ويسدّد أقوالنا، وأن يوفّقنا في أعمالنا، وأن يهدي النّاس في كلّ مكان إلى الإسلام، فهو دين الحياة والتّربية والحضارة.
الهوامش:
1- أبو عبد الله، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث، ط2، 1414هـ-1993م، رقم الحديث: (4188)، الجزء: 2، الصفحة: 1401. وقال الألباني: صحيح.
2- أبو عبد الله، أحمد بن حنبل، مسند أحمد، تحقيق: أحمد شاكر، القاهرة، دار الحديث، ط1، 1416هـ-1995م، رقم الحديث: (900)، الجزء: 1، الصفحة، 552.
3- أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ-1990م، رقم الحديث: (4782)، الجزء: 3، الصفحة: 183. صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.