جانبي فروقة
مع دخولنا عصر الثورة الرابعة - الثورة الرقمية وتطور التكنولوجيا وظهور الذكاء الاصطناعي بدت تطفو الحاجة الماسة في الشركات والمؤسسات إلى إنشاء وتطوير فرق مختصة بالبيانات ويقودها مدراء البيانات الرئيسيون «Chief Data Officers (CDOs) وهم المسؤولون الكبار في المؤسسات الذين يتولون مسؤولية إدارة البيانات واستراتيجيتها وضمان جودتها وتوظيفها بشكل يدعم أهداف الشركة أو المؤسسة ومع دخولنا عام 2024، فإن مشهد الذكاء الاصطناعي والبيانات لا يتطور فحسب؛ إنها تمر بتحول ثوري ومعقد، ويؤدي دمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية (GenAI) مثل ChatGPT وBard وGitHub Copilot في الحياة اليومية إلى تسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. ويجلب هذا التقدم السريع معه مجموعة من الفرص والتحديات التي تعيد تشكيل كيفية تفاعلنا مع التكنولوجيا، وتنفيذ استراتيجيات العمل، ومعالجة المخاوف الأخلاقية. تبلغ اليوم قيمة سوق الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم أكثر من 136 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى 1.81 $ تريليون دولار بحلول 2030م.
بيئة البيانات اليوم تعتبر حاسمة في العصر الرقمي الحالي وتساهم بشكل كبير في اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتحسين الأداء وفهم احتياجات العملاء وابتكار منتجات وخدمات جديدة وتطوير ثقافة بيانات قوية هي إحدى أهم ركائز التحول الرقمي اليوم للمؤسسات الخاصة والحكومية، هذه البيئة تتكون من البيانات نفسها والتكنولوجيا والأدوات (التي تتضمن البرمجيات والأنظمة المستخدمة لجمع وتخزين ومعالجة وإدارة البيانات وأدوات التعلم الآلي) والبنية التحتية ( وتشمل الخوادم ووحدات التخزين والشبكات والموارد السحابية) والعمليات والإجراءات ( وتشمل الطرق والإجراءات المتبعة لجمع البيانات مع ضمان جودتها وحمايتها وتحليلها) والحوكمة والتنظيم (وتتعلق بالسياسات والقواعد والنظم التي تنظم جمع البيانات واستخدامها ومشاركتها وحمايتها) والموارد البشرية (التي تشمل الفرق والأفراد المسؤولة عن إدارة البيانات من علماء ومحللي ومديري قواعد البيانات) والثقافة التنظيمية ( والتي تؤثر في طريقة تفكير المؤسسات وتقديرها للبيانات وقيمتها)
و تبشرنا الحوسبة الكمومية Quantum Computing بإمكانات هائلة لفتح قوة حوسبة غير مسبوقة وسيؤدي هذا التلاقي بين الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي إلى تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مما يؤدي إلى اكتشافات في مجالات عدة مثل اكتشاف الأدوية وحل النماذج العملية المعقدة، واليوم السباق على تطوير الحوسبة الكمومية محتدم بين بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وعلى الرغم من تقدم الصين الواضح في التمويل الرسمي للحوسبة الكمومية، يقول بعض الباحثين إن أمريكا لا تزال رائدة الكم بشكل عام بفضل مبتكريها التكنولوجيين في القطاع الخاص، والمختبرات الحكومية، والباحثين الجامعيين، والحلفاء المتعاونين. وتتحرك واشنطن لتقييد الاستثمار الأمريكي في القدرات الكمية للصين وقد وقع في السابق الرئيس جو بايدن على أمر تنفيذي يوجه وزارة الخزانة الأمريكية لتنظيم الاستثمارات الأمريكية في الحوسبة الكمومية وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. وصنف ملحق لهذا الأمر الصين كدولة مثيرة للقلق، إلى جانب منطقتيها الإداريتين الخاصتين في هونغ كونغ وماكاو. وقد يؤدي ذلك إلى حظر الاستثمار في الإنتاج الصيني للتقنيات والمعدات الكمومية.
تعد جودة البيانات هي حجر الزاوية في صناعة الذكاء الاصطناعي ويمكن أن تؤدي البيانات غير الدقيقة أو غير المكتملة أو القديمة إلى أخطاء باهظة الثمن وعدم الكفاءة وتركز المؤسسات الآن على تحسين جودة البيانات للاستفادة بشكل فعال من الذكاء الاصطناعي ويتضمن هذا النهج الانتقال من ممارسات إدارة البيانات التقليدية إلى طرق أكثر تطوراً وخلق بيانات اصطناعية تغذي وتعلم التشات بوت (منصات الدردشة) وهذا ما يسمى بالتعلم الآلي Machine Learning وهو العمود الفقري للذكاء الاصطناعي في تطوير التشاب بوت.
أدى انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وظهور المعلومات المضللة وتقنيات ال Deep Fake التزييف العميق إلى تصاعد الحاجة إلى تشريعات تجعل من الذكاء الاصطناعي أخلاقياً وحوكمة الذكاء الاصطناعي باتت ضرورة ملحة وتعمل الدول على تطويره وخاصة في أوروبا وأمريكا.
كان هناك صوفي يعيش بالقرب من المحيط. وفي كل يوم، كان يأخذ قليلاً من اللبن ويسكبه في المحيط وكان أحد الأشخاص قد لاحظ هذا الفعل الغريب وسأل الصوفي: «هل تعتقد حقًا أن بإمكانك أن تحول البحيرة إلى لبن بهذه الكمية القليلة من اللبن؟ فأجاب الصوفي: «ولكن تخيل أن يتحول المحيط إلى لبن فكم سيصبح لدينا من خير كثير» والسؤال الكبير هل سيحول الذكاء الاصطناعي محيط بياناتنا إلى لبن وخير كثير أم أن هناك سيكون بعض اللبن الأسود؟
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية