علي حسن حسون
بالعودة إلى ما قبل تاريخ التأسيس ببضع سنين وبالتحديد في طيبة الطيبة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام (حيث مسقط رأسي) كانت الحياة حينها واجفة تكسوها ملامح الظلم والجور بل الوحشية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى من قبل الدولة العثمانية التي اقترفت أبشع الجرائم إنسانياً واجتماعياً حينما أحدثت التهجير القسري الممنهج لأهالي المدينة في حادثة (سفر برلك) الشنيعة التي تكفل بها (فخري باشا) حينما أمر بالتهجير القهري وقام بتمزيق ذلك النسيج الاجتماعي الذي تسوده روح المحبة والألفة بين أهالي طيبة بكامل أعراقه فلم يعبأ إلا بتشتيتهم وإبعادهم عن المدينة ورميهم في ضواحٍ بعيدة جداً باتجاه الشمال وصولاً إلى إسطنبول فمنهم من ألقي بقرى نائية وأرض فلاة والبعض احتضنته أرض الشام والعراق وآخرون لم يعرف بعد أين استقرت بهم النوى.
نعم خلفت تلك الكارثة الكثير من المآسي والآلام لأهالينا وزرعت الذعر والخوف في جنباتهم ولم تقف عند هذا الحد بل ظلت آثارها حتى يومنا هذا حيث هناك الكثير ممن تعود أصولهم إلى أطهر بقاع الأرض ولازالوا يجهلون أنسابهم وجذورهم ولم يحظوا بشرف الجوار؛ جوار النبي الأكرم (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) وأنا على يقين بأن وقع ذلك الأمر في نفوسهم سيكون أفظع لو كانوا يعلمون.
ومع توالي السنين العجاف التي مرت بشبه الجزيرة لاح فجر الدولة السعودية الأولى لتزيح بظلالها عرش الجائرين وتعيد الحياة الآمنة وترسي الرخاء والسلام في المنطقة وتسعى لتضميد كل الجراح الأنفة.
أما اليوم فنحن نحتفي بذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى التي تعيدنا إلى ذلك العمق التاريخي والثقافي والحضاري للمملكة لنفخر ونعتز بتراثنا الأصيل الذي ورثناه من أجدادنا وآبائنا وفيه نقدم وفاءنا لمن أسهم وقدم الغالي والنفيس في خدمة هذا الوطن، فيوم التأسيس يعتبر هو اللبنة الأولى بل هو البذرة التي غرست منذ أكثر من ثلاثمائة عام فأثمرت لنا هذا الوطن العظيم فحصاد اليوم غراس الأمس ومن دون أدنى شك فإن معرفة ماضينا سيبقى مناراً وقاداً لبناء مستقبلنا.
أخيراً أقول: إن هذه المناسبة الوطنية هي يوم للاعتزاز بالوحدة الوطنية وفيه يجتمع أبناء الوطن بمختلف الطوائف والأعراق وتتلاشى فيه شتى أنواع العصبية والقبلية المقيتة، فنحن كنا ولا زلنا بحمى وطن واحد وبظل شعار واحد نسعى لنكمل المسير في رفعة شأن هذا البلد.