ما زالت التراجم السعودية للملتحقين بالعمل الحكومي فترة قُبيل إعلان توحيد المملكة العربية السعودية وبُعيدها بمختلف مهامهم ودرجاتهم الوظيفية وجذورهم الإقليمية تزخرُ بعدد ممن لم يترجم لهم أبداً أو ممن كتب عنهم تراجم قصيرة أو ممن وردت الإشارات لهم في مصادر متفرقة، ومازالت تلك الحقبة الزمنية من تاريخ الوطن تشكل أرضية خصبة في نظري للباحثين والمهتمين بالتاريخ السعودي الحديث والمعاصر.
من أولئك الرجال «خويّ الملوك» الرجل الذي التحق بالعمل في خويا الملك عبدالعزيز قبل إعلان توحيد المملكة واستمر حتى جاوزت سنوات عمله الخمسين سنة هو الشيخ محمد النعيّمة -يرحمه الله- الذي قال عنه الملك عبدالعزيز «محمد النعيّمة يعرف ما أريد من نظراتي قبل أن أتكلم»، عمل في خويا الملك عبدالعزيز ثم رئيساً لها ورئيساً بعد ذلك لخويا الملوك سعود وفيصل وخالد. لقد جمعت صداقة قديمة أحد أجدادي مع محمد النعيّمة - رحمهما الله - مما جعل اسم الأخير والعمل الذي تولاه معروفاتٍ عندي لذلك كنت بين الفينة والأخرى أفتش عن ترجمة له أو إشارات مطولة عنه ولم أكن أجد عنه إلا إشارات بسيطة حتى نشر الأستاذ صلاح الزامل سطوراً في جريدة الرياض قبل نحو خمس سنوات جاءت بعنوان: «محمد النعيمة... رئيس الخويا المخلص» فكانت أول ترجمة منشورة عنه حسب ما وجدت. وها هي الترجمة الثانية بعد أن يسّر الله لي وتفضل سبحانه وتعالى بجمع معلومات وإشارات متفرقة وصور تخص محمد النعيّمة. وختاماً الشكر موصول لحفيديه أسامة بن إبراهيم بن محمد ومحمد بن عبدالله بن محمد على مساعدتهما لي وتزويدي بما لديهما عن جدهما رحمه الله، وإلى الدكتور راشد العساكر على تعاونه وأيضاً إلى الدكتور محمد بن علي العمري على إفادته ودماثة خلقه. ثم إن هذا جهد المقل نشرته مقدماً لرجل ومؤخراً لأخرى فإن مالا يدرك كله لا يترك جله ومن الله أستمد العون والرشاد.
الميلاد والنشأة
ولد محمد بن إبراهيم بن ناصر النعيّمة في كبد وادي قرقرى أحد وديان إقليم العارض بنجد؛ بقصر الصفيّة في منطقة قصور البطين أو ما تُعرف بقصور الروضة - وهي ضمن أرض مشروع القدية الآن - قُرب ضرماء غربي الرياض.
عام 1326هـ/ 1908م تقريباً، طبقاً للتاريخ المُسجل في حفيظة النفوس المُستند على رواية مفادها أن ميلاد محمد النعيّمة كان مقارباً لميلاد الأمير (الملك) فيصل المولود عام 1324هـ/ 1906م. فقدت سارة آل منيف (أم محمد) زوجها إبراهيم النعيّمة في أولى سُنيات عمر ابنيهما، فانتقلت به بعد وفاة والده إلى الرياض حيث يسكن أهلها، وكان ذلك الانتقال في حدود عام 1329هـ/ 1912م حيث كان يبلغ عمر النعيّمة آنذاك ثلاث سنوات. وفي الرياض تزوجت (أم محمد) من إبراهيم بن عقيف الذي لم يرزق منها بأبناء، فكفل ابنها محمد وأولاه رعاية الأب لابنه واهتمامه فيه.
معلم للأميرات
أسند الملك عبدالعزيز إلى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن مفيريج مهمة الإشراف على مدرسة الأمراء بالقصر عام 1335هـ/ 1916م لما أنشئت؛ وبعدها بثلاث سنوات كان محمد النعيّمة قد أتم حفظ القرآن الكريم على يد زوج والدته ابن عقيف وعمره اثنتي عشرة سنة، فرُشّح لأن يكون معلماً للأميرات القرآن في القصر.
مع الفيصل في الحجاز
أقام أهالي الرياض احتفالاً أدوا فيه العرضة السعودية (النجدية)؛ كان ممن شارك فيها محمد النعيّمة الذي كان يعمل حينها مؤذناً لمسجد الجفرة -يقع الآن ضمن قصر الحكم-، لفت النعيّمة انتباه رئيس خويا الملك عبدالعزيز المعروف بـ أخو فهد، مما جعله يعرض على النعيّمة الالتحاق بالعمل الحكومي.
ألحق أخو فهد محمد النعيّمة في خويا الملك عبدالعزيز؛ ولما عُين الأمير (الملك) فيصل نائباً عاماً للملك على الحجاز عام 1344هـ/ 1926م التحق النعيّمة بالعمل في ديوانه وعمره آنذاك ثماني عشرة سنة، وكان الأمير (الملك) فيصل قد اتخذ قصر شبرا بالطائف مقراً لديوان النيابة العامة في الصيف مما جعله يعرف بـ»قصر النيابة». كان ممن التحق بالعمل في ديوان الأمير (الملك) فيصل في الحجاز إبان توليه من أهالي العارض غير النعيّمة؛ عبدالرحمن بن نويصر العنقري وفهد بن ناصر بن غشيّان وأيضاً من آل مقبل أخوال والدة الأمير (الملك) فيصل وغيرهم.
في خويا الملك عبدالعزيز ورئاستها
لم يطل المقام بالنعيّمة في الحجاز طويلاً؛ فسرعان ما عاد للعمل مرة أخرى في خويا الملك عبدالعزيز ولم أتمكن من تحديد تاريخ دقيق لعودته، إلا أنه يظهر في إحدى الصور واقفاً خلف الملك عبدالعزيز والملك فيصل الأول بن الحسين أول ملوك مملكة العراق أثناء لقائهم على متن السفينة الحربية البريطانية «لوين» عام 1348هـ/ 1930م، أي أن مدة عمله في ديوان نائب جلالة الملك بالحجاز كانت أربع سنوات كحدٍّ أعلى.
استمر محمد النعيّمة بعد ذلك في خويا الملك عبدالعزيز حتى عُين رئيساً للخويا، ولعل توليه رئاسة الخويا كانت بعد انتقال الملك عبدالعزيز إلى المربع عام 1357هـ/ 1938م أو بعد عام 1360هـ/ 1940م، ولا أستطيع الجزم بأن النعيّمة تولى الرئاسة بعد أخو فهد مباشرة أو أن هناك شخصاً جاء بعد أخو فهد وقبل النعيّمة أو أشخاص. لكن فؤاد حمزة في كتابه البلاد العربية السعودية الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1355هـ/ 1936م أورد اسم أخو فهد رئيساً للخويا ضمن ما جاء تحت عنوان البلاط الملكي موضحاً تكونه من 16 شعبة مع ذكره لأسماء رؤسائها، ولم أجد مصدراً خلال بحثي ذكر الاسم الصريح لـ أخو فهد رئيس الخويا. وقد كان الخويا قبل التنظيمات الإدارية الحديثة يقومون بعدد من المهمات منها أنهم كانوا الحرس الخاص للملك. وكان في كل إمارة بالمملكة موظفون يعرفون بـ «خويا الأمير» يقومون بما يكلفهم به الأمير من مهام سواء كانت إدارية أو أمنية أو اجتماعية.
ولمحمد النعيّمة عدد من الصور أثناء عمله في خويا الملك عبدالعزيز؛ منها ما التقطته مجلة لايف الأمريكية أثناء زياتها للمملكة عام 1362هـ/ 1943م حيث ظهر في إحدى الصور واقفاً خلف الملك عبدالعزيز، أيضاً في التقرير الذي أعدته لجنة المؤرخين بشركة أرامكو عن زيارة الملك عبدالعزيز لها عام 1366هـ/ 1947م وأعادت الدارة نشره عام 1419هـ/ 1999م يرد اسم النعيّمة ضمن المرافقين للملك عبدالعزيز في زيارته تلك، وتظهر الصور أيضاً النعيّمة واقفاً خلف الملك وخلف الشيخ محمد بن عيسى في تلك الزيارة. وفي اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبدالعزيز بالرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت عام 1364هـ/ 1945م المعقود في البحيرات المرة بقناة السويس، ظهر النعيّمة في عدد من الصور وأيضاً في تسجيل الفيديو لذلك اللقاء كان النعيّمة واقفاً قرب الملك عبدالعزيز في إحدى اللقطات وفي لقطة أخرى يستعرض الخنجر أمام الكاميرا.
مهمة أمنية
في عام 1945م الموافق 1364هـ تقريباً؛ كلف الملك عبدالعزيز ثلاثة رجال في مهمة أمنية سرية؛ هم: محمد النعيّمة رئيس الخويا والنقيب سعيد العمري -الفريق لاحقاً- ومطلق السور دليله.
وروى العمري أحداث هذه المهمة في المقابلة التي أجرتها معه إدارة الشؤون الثقافية بالحرس الوطني عام 1407هـ/ 1986م، وهي أن الملك عبدالعزيز استدعى الرجال الثلاثة إلى الديوان وقال لهم اذهبوا لإحضار بعض الأشخاص الذين قد يكونون ما زالوا في العراق أو أنهم وصلوا عند الشنيفي، وأوصاهم الملك بأن يحافظوا على أنفسهم وعليهم أن يكرموهم قدر إمكانهم وأن يأخذوا الحيطة وأن يبقوا على تواصل معه عن طريق اللاسلكي حتى تصلهم أوامره. انطلق الرجال المكلفون بالمهمة مع عدد من الحرس من الرياض حتى وصلوا إلى رماح ومنها إلى حفر الباطن، فبقوا فيها عشرة أيام حتى جاءهم أمر الملك عبدالعزيز بالانتقال إلى المكان الذي حدده الأمر للقاء الشنيفي شريطة أن لا يمروا في طريقهم على مكان مأهول حتى تبقى المهمة سرية، التقى المكلفون بالشنيفي في مخيمه وعادوا بالأشخاص معهم إلى حفر الباطن ثم منها تحركوا حتى وصلوا رماح، وفيها وصلتهم برقية من الملك عبدالعزيز تستعجل رجوعهم إلى الرياض وأن لا يتوقفوا عن السير حتى يصلوا جبل أبو مخروق -وهو الآن في وسط الرياض بحي الملز-. وكانت الرحلة مكونة من ثلاث سيارات كان النعيّمة قد استقل بالسيارة الأمامية ومعه عدد من الحرس، ثم لما وصلوا جبل أبو مخروق توقفوا ودخل محمد النعيّمة ومعه مطلق السور إلى الرياض والتقوا بالملك عبدالعزيز في قصر المربع، ثم عاد النعيّمة والسور وبشروا هؤلاء الأشخاص بالخير وهنأوهم بشهر رمضان. ثم دخل الجميع الرياض والتقوا بالملك عبدالعزيز الذي تقدم بالسلام عليهم والترحيب بهم ثم أجلسهم عن يمينه مؤكداً أنهم من الأعزاء عنده وتحدث معهم وأخيراً عرض عليهم أن يصحبوه في الحج فقبلوا ذلك شاكرين له وانفض المجلس بعد ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن الشنيفي المذكور، هو سليمان بن يوسف الشنيفي من أهالي ضرماء الذي كان أميراً على لينة شمال المملكة حينها.
في عهد الملك سعود
استمر محمد النعيّمة بعد وفاة الملك عبدالعزيز عام 1373هـ/ 1953م وتولي الملك سعود مقاليد الحكم رئيساً لخويا الملك، فيظهر في إحدى الصور واقفاً خلف الملك سعود والرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون أثناء زيارة الملك الرسمية للبنان عام 1377هـ/ 1957م، كذلك يظهر في الزيارة الرسمية التي قام بها الملك سعود إلى الهند في حدود عام 1376هـ/ 1956م.
مع الفيصل مرة أخرى
بويع الملك فيصل ملكاً على المملكة العربية السعودية؛ فأبقى محمد النعيّمة رئيساً لـ « خوياه» طيلة فترة حكمه التي امتدت من عام 1384هـ/ 1964م حتى استشهاده عام 1395هـ/ 1975م، ويظهر النعيّمة في إحدى الصور مرافقاً للملك فيصل في إحدى زياراته الخارجية.
الإعفاء
عانى محمد النعيّمة من مشكلة صحية أواخر عهد الملك فيصل؛ مما جعل البعض يقول للملك لو أعفيت النعيّمة من عمله، فكان رد الملك فيصل عليهم (اسألوا الذي في العود) قاصداً بجوابه أقدمية النعيّمة في خدمة ولاة الأمر ومكانته عند الملك عبدالعزيز والثقة التي كان يوليها إياه. استمر النعيّمة رئيساً للخويا بعد استشهاد الملك فيصل وتولي الملك خالد مقاليد الحكم حتى عام 1397هـ/ 1977م حيث أعفي من عمله بناءً على طلبه.
العائلة والوفاة
لم يكن لمحمد النعيّمة إخوان ولا أخوات سواء أشقاء أو غير أشقاء؛ ومن الزيجات كان له اثنتان ومن الأبناء الذكور ثمانية هم (فهد، إبراهيم، عبدالله، عبدالعزيز، صالح -كابتن المنتخب السعودي ونادي الهلال الأسبق - حمود، عبدالرحمن، ناصر) وست بنات.
توفي في شهر ربيع الأول عام 1408هـ الموافق ديسمبر 1988م وقد ناف على الثمانين فرحمة الله عليه.
**
- كتبه: ابن صالح - عبدالعزيز بن صالح الدغيثر/ @asasd004