ما يبلغ الأعداء من جاهلٍ
ما يبلغ الجاهل من نفسه
والحمق داءٌ ماله حيلةٌ ترجـ
ـى كبعد النجم من لمسه
بيتان تغنّي بلحنهما الشاهر صالح بن عبد القدوس.. ليُرينا منهما أشكالاً من معاناتنا العربية الإسلامية، فقد نُهينا عن الوهن والتخاذل أمام الأعداء: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (سورة محمد: 35)، فالوهن ضعف بالخلق؛ من نتاجه الضعف والتأخر وتسليط الأعداء إلى سبب نشأت عنه أسباب كثيرة، هو: الجهل بالله وبدينه وبالعواقب التي استولت على الأكثرية، فصار العلم قليلاً والجهل غالباً، فكان منها حب الدنيا وكراهية الموت، واتباع الشهوات، وعدم الإعداد للعدو والرضا بأخذ حاجاتهم من عدوهم، وعدم الهمة العالية في إنتاج حاجاتهم من بلادهم وثرواتهم، ونشأ عن ذلك أيضاً التفرّق والاختلاف وعدم جمع الكلمة وعدم الاتحاد وعدم التعاون.
هكذا قال ابن باز -رحمه الله-.. وأضعف الوهن قول سيدنا زكريا عليه السلام: {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} (مريم: 4) أي ضعف ورق، فالوهن صفة مذمومة ليست من صفات المؤمن، والإيمان علو وثبات عكسه دناءة الوهن في الهمة وخور في العزيمة، وبالتالي فهو أشد عاراً، ونهي عنه الله -عزَّ وجلَّ- بقوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران: 139)، إذ تكفل الخالق لنا بإبطال كيد الكافرين، في حال صدق المسلمون متوكلين عليه {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (الأنفال: 18).
وقد علمتنا غزة أنه لا طريق لعزة الأمة إلا بإيمانها، لترتفع رؤوسهم وتسمو مكانتهم في قلوب حتى الأعداء؛ فما بالك بالخائن لأمته ذلك الدنيء النفس وذليلها، فاليهود جبناء، لا يُقاتلون إلا إذا خلا الميدان من الرجال، فقد ورثوا عن أجدادهم القتال من وراء الجدران، كما يحرقون أرض العزة بأساطيل الغرب وبوارجها التي ظهر ضعفها أمام قوة الإيمان الفلسطيني، فلا الجوع والموت قاهرهم، فهم منبع الاهتمام العالمي، كونها أرضاً يعني صراعها الأبدي تحولاً في مسار صنّاعة القرارات العالمية وأمنها الزائف.
لقد كل ومل كغيره، بل كل ومل العالم حتى أصدقاء الصهاينة والغرب، إذ كتب أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة عبر حسابه في «x» تويتر سابقاً، أنه «رغم بدء شهر رمضان، يستمر القتل والقصف وسفك الدماء في غزة»، داعياً إلى «إسكات الأسلحة»، ومطالباً بـ»احترام روح الرحمة في شهر رمضان»، وإطلاق سراح الأسرى، لكن كل هذه التصريحات وغيرها من المقاطعات لا تغيّر من الأمر شيئاً على الأرض.
كما أنها لا تنقذ أرواحاً، والدول العربية ليست لها في عالمها إلا نفسها تعتمد عليها، فما حدث وهُم غثاء كالسيل؟! مع موت الأنظمة والقوانين الدولية التي تحكمها الماسونية ولا رادع لهم، وقد رأينا رعونة مندوبي إسرائيل في مجلس الأمن والأمم المتحدة أمام حشد المجتمع الدولي، والذرائع الواهية للإسرائيليين، تحديداً نتنياهو الذي يريد إطالة أمد حياته السياسية، ولو من خلال القتل والدمار، إلا أن غزة قد علمتنا أن تواطؤ الغرب عليها ليس بجديد وسيكون الغد مثلهُ، فعالم اليوم لا يحترم الضعيف ولا يقيم لتوسلاته وزنا.
وهُم يعلمون حتى قال وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد للصحافيين: «لقد قاتلت الدول الإسلامية خلال رمضان.. وقاتلت (طالبان) والتحالف الشمالي على مدى سنوات خلال شهر رمضان». إذاً هُم يعلمون أن الجهاد سبيل العزة، وأنه (لا خير في حق إذا لم تحمه.. حلق الحديد وألسن النيران).
فهذه الأمة لم تمت ولن تموت، لأنها خلقت لتبقى حتى يقاتل آخرها المسيخ الدجال، كما أخبرنا آخر الأنباء والمرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- فالوهن مهما بلغ بالأمة مبلغه فإنه يزول متى ما تهيأت أسباب زواله، فهناك فرق بين جهاد المؤمنين الصادقين وثباتهم، وبين هزائم جيوش النكبات والنكسات.
** **
@drIbrahimgala