عُرف والد محمد أبو رميح بأنه: رميح بن عمر بن فوزان بن حمد بن مفيز بن شارخ بن محمد الملقب أبا (الحصين)، وهو من العجمان، وله خمسة من الأبناء وهم: عامر، والثاني مُطيران (توفي ولم يعقب أحد)، وعامر ومطيران اشتروا الأرض المسماة (جُريبيعة) غرب الشنانة، وثالثهم حجاج (توفى ولم يعقب أحد) ورابعهم المعني بهذه الترجمة محمد المكنى أبو رميح والملقب (أخو دخينة)، وهؤلاء الأربعة أشقاء وأمهم رقية الشايع البغيليل، وهي والدة ناصر بن صالح ابن ناصر البلَّاع الشهيد -بإذن الله - الذي قتله ابن رشيد عند حصار بلدة الشنانة عام 1322هـ؛ حيث كانت زوجةً لوالده صالح البلاع، وبعد وفاته تزوجت من رميح وأنجبت منه، والخامس من الأولاد لرميح هو عمر وليس شقيقاً للأربعة (توفيَّ ولم يُعقِب أحداً).
كما عُرف عن محمد أبو رميح المعني بهذه الترجمة بأنه -والله حسيبه- رجل صالح محب للخير وأهله، وهو من أولاد الأخوات الشايعيات التسع المعروفات في التاريخ الاجتماعي بالرس والشنانة، وهو من أبناء الخالات لسليمان بن ناصر السلومي، فوالدة أبي رميح هي رقية بنت إبراهيم الشايع البغيليل، وهي أخت هيا الشايع والدة سليمان السلومي. (ترجمة سليمان بن ناصر السلومي الشخصية والرسالة: ص213).
نشأته وحياته:
كانت الحياة المعيشية في معظم القرى وبلدات نجد صعبة وقاسية آنذاك، لكن بساطة الحياة مع الصلة بالله تمنح الناس الأمن النفسي والاجتماعي والراحة والسكينة والطمأنينة، وقد كان أبو رميح من هؤلاء، ومعظم الناس كانوا من الأدوات الإنتاجية في مزارعهم وغيرها، وكان قد أقطعه أخواه عامر ومطيران من أرضهما من مزرعة جريبيعة.
كتب عنه الأستاذ سليمان الرشيد ومما قال: إنه وُلد ونشأ في بلدة الرس (الشنانة) وعاش مع أبيه وجده عمر وأخويه عامر ومطيران في المزرعة المعروفة باسم (جريبيعة) إحدى مزارع غرب الشنانة، وبعد قطع نخيلها سنة قطعة نخيل الشنانة عام 1322هـ على يد عبدالعزيز بن متعب الرشيد حاكم حائل آنذاك، خرج مع أبيه وإخوته إلى المدينة النبوية، حينما كانت المدينة المنورة منطقة جذب بشري لأهل الرس خاصة، وقد سافر إليها كذلك أبناء خالاته سليمان السلومي وهوشان المفيز حينما كانت جاذبة بوظائفها العسكرية وتجارتها، خاصةً مع أوضاع الفقر والحاجة التي صاحبت الحرب العالمية الأولى 1332- 1336هـ.
وفي عام 1353هـ عاد من المدينة إلى الرس، وأحيا مزرعته السابقة جريبيعة وبقي فيها حوالي سنتين، ثم انتقل إلى مزرعته غرب الشنانة وشرقي بلدة القوعي وبقي فيها حتى وفاته. (سليمان الرشيد، مساجد الرس وأطرافه: ج2/ ص772).
صفاته وكرمه:
عُرف عنه الكرم مع جميع الناس، وهو ممن اشتهر بالعطاء والسخاء، وهو ما كتب عنه سليمان الرشيد بقوله: «اشتهر رحمه الله بالكرم وحسن الضيافة، قيل له: لم لا تضع شبكا على مزرعتك؟ قال: ولم؟! قالوا: لكي لا يأكل منها المارة، فقال: أنا لم أعمل في الزراعة إلا من أجل ذلك، أريد أن يأكل منها عابر السبيل والمحتاج.
وعندما مرض مرضه الأخير واشتد به المرض كان يهذي بعاداته الكريمة، ويقول: قلطوا الضيوف» (سليمان الرشيد، مساجد الرس وأطرافه: ج2/ ص772).
والأخير من هذا الكلام يؤكده العم عبدالرحمن بن سليمان السلومي عند زيارته له وقت مرضه حيث سمع منه هذا الأمر وقال عنه:
إنه رجل اجتماعي بقلب صافٍ وابتسامة لا تفارق مُحياه، يأنس به كل من يجالسه، صاحب كرم وإحسان بمعنى الكلمة، وقد كانت قهوته لها شُهرة معروفة مفتوحة الأبواب من داخل البيت وإلى خارجه مباشرة للزائرين وعابري السبيل، كما عُرف بلقب (أخو دخينة) بسبب دخان نار قهوته التي لا تنطفئ بصفة مستمرة؛ حيث كانت ناره مشبوبة كما يقول الراوي، وكان بعض الناس وعابري السبيل يتزودون من مزرعته، خاصةً أوقات ثمرة النخيل، وذلك بعطائه من التمور والخضار ومياه مزرعته العذبة التي كانت مورداً للمسافرين.
وأقول أنا كاتب هذه السطور: لن أنسى وعمري حوالي عشر سنوات وأنا أقرأ القرآن تسميعاً لوالدي بمسجد الجديدة بالشنانة، وكان محمد الرميح جالساً بجوارنا وقد تناول بعض النقود من جيبه وأعطاني إياها تشجيعاً لي على حفظ القرآن -وربما إعجاباً بقراءتي- وقد رفضت أخذها حياءً، وقال والدي: «خذ من هذا الكريم فهي لك أو لغيرك والذي عنده ليس له».
وحينما يتم الحديث عن كرم هذه الشخصية بماله ونفسه وقُوته ووقته فإن هذا كان عين الكرم؛ حيث كانت القهوة أو التمرات أو وجبة الغداء أو العَشاء عزيزة غير متوفرة للكثير آنذاك، وربما أن المحتاج أو الزائر قد بات طاوياً جائعاً أو لا يستطيع أن يؤمّن لنفسه شيئاً من هذا، وكان هذا الواقع سابقاً على زمن هذا الرجل أمراً معتاداً، وهنا يكون كرم ضيافة الطعام مقدماً وأساسياً.
وعُرف عن (أخو دُخَيْنة) النكتة اللطيفة والبريئة، والتواضع والسماحة والسهولة في حياته وتعاملاته.
من معاني الكرم ومفاهيمه:
تتأكد بعض المعاني والمفاهيم الأخرى الكبيرة عن الكرم بعد التحولات في الاحتياجات؛ حيث أن مجتمعات الوفرة في أزمنة الاستهلاك والإسراف أدت إلى أهمية تصحيح بعض المفاهيم، لا سيما حينما صاحب هذا في أحيانٍ كثيرة بعض الاضطرابات النفسية والمشكلاتٍ الأسرية والاجتماعية، وما يتلازم مع هذا عادة من نكد الحياة وكبدها، ولهذا فقد أصبحت المجتمعات تحتاج إلى نوع آخر من الكرم: فالابتسامة والكلمة الطيبة والخلق الحسن نوع من الكرم والصدقة في هذه الظروف، والمواساة عند شدائد الحياة والدعاء للآخرين وتفريج الكرب وتنفيسها من الصدقة والكرم، بل ومنحك وقتك لنصح الآخرين وإرشادهم وتوجيههم بالمعروف عطاء وكرم، ومنح الوقت لتفريغ الهموم والفضفضة كما يقال كرم وصدقة، وفتح قلبك وعقلك وصدرك وبيتك ومجلسك ومكتبك لمساعدة الآخرين بمناقشة قضاياهم واحتياجاتهم بعطف وتسامح وحب ورحمة وشفقة وتعاون كل ذلك مما يدخل في العطاء وكرم النفس والوقت.
ومن الخطأ الكبير حصر الكرم في الولائم وموفور الطعام والشراب، خاصةً في أزمنة الوفرة والإسراف والحفلات والمناسبات والبوفيهات المفتوحة، وقد عبَّر عن شيء من هذا الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- بقوله: «الكرم بمعناه الجميل أن تبتسم في وجه من بيدك مساعدته وأنت في موقع عملك، والكرم أن تتكرم بوقتك وتتوقف عما يشغلك لتعطي ذلك الوقت لمن يحتاجك نصيحة، أو يحتاج علمك، أو يحتاج تعاطفك فقط، الكرم أن تنظر بعين القبول والاستيعاب لمن يختلف عنك، الكرم أن تمتد خصائص الكرم لديك لتشمل الضعيف بشراً كان أو حتى حيواناً، الكرم سلوك كريم في الناس، فقد يكون مجرد إيماءة لطيفة، أو كلمة ترفع معنويات أحدهم، أو ابتسامة، أو مصلحة تقضيها لغيرك، الكرم أن لا تسرق الضعيف... الكرم عالم آخر كبير وواسع جداً» (أحمد الصراف، الكرم والتطوع، القبس: http://tinyurl.com/ztn38dp4).
وقد كان أبو رميح -رحمه الله- ضمن المجموعة من أبناء الخالات الشايعيات كما يُقال عنهم، وقد كانت لهم دورية شهرية فيما بين بيوتهم أدركتها بنفسي وعشتها مع بعضهم -رحمهم الله-، وكانوا يقضون شهر رمضان كاملاً صياماً وقياماً في المدينة المنورة عند ابن خالتهم هوشان بن محمد بن عمر المفيز - جمعهم الله على سرر متقابلين في جنات النعيم.
ومحمد الرميح المكنى (أبو رميح) والملقب (أخو دخينة) توفي في آخر جمعةٍ من شهر شعبان 1393هـ، وله من الأبناء الذكور ستة، وهم حسب ترتيب العمر: ناصر وعلي وصالح وحمد ورميح وسليمان، ولابنه صالح ذكريات عن الطفولة في أكناف والده وتجارب حياة مفيدة بكتاب صدر بعنوان (رحلة عبر الزمن - من الرس إلى كامبردج) جدير بالاطلاع والقراءة والاستفادة.
ورحم الله الأموات وحفظ الأحياء على خُطا أبائهم، ففي السير والتراجم ترتقي القيم المعايير الاجتماعية للأمم والمجتمعات، إضافةً إلى ما فيها من درس وعبرة، وتكريمٍ للإنسان وتجاوزٍ للطبقيات المقيتة في بعض المجتمعات.
** **
- باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
info@the3rdsector.org