الثقافية - علي القحطاني:
من كتب التراجم والسير الذاتية؛ تلك الكتب التي تتحدث عن تجربة الدراسة في الغربة وتجمع في ثنايا أسطرها التحديات والطموحات التي يواجهها الطلبة المبتعثون إلى الخارج ومنها كتاب «حكاية غربة» للدكتور فيصل السويدي وتحدث لـ«الثقافية» عن أهمية إتقان المبتعث للغة الإنجليزية لكونها المفتاح الأساسي للاطلاع على مناهج البحث العلمي الغربي ومدارسه وشتى معارف الغرب في الفلسفة والأدب ونظريات التربية وتحدث الدكتور السويدي على أن أرباب الفكر نجحوا في تدوين تجاربهم العلمية، وفي اللقاء حديث عن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي ومستهدفاته في دعم وتزويد الجامعات وسوق العمل بكفاءات بشرية سعودية مؤهلة بجميع المعارف والمهارات اللازمة.
الغربة
هل ترى أن الغربة طوّرت من ذاتك في الحياة بوجهٍ عام؟
إن كان سؤالك عاماً وشاملاً فسأحاول أن تكون إجابتي دقيقة ومحددة لأقول لك نعم الغربة طورتني مهارياً ومعرفياً أما الجانب المهاري فقد استفدت منها في تطوير عدة مهارات كإدارة الوقت وفن القيادة وحل المشكلات بمنطقية واحترافية، ومن أهمها الحوار مع الآخر والتعامل معهم وفق الثوابت الدينية التي تملي عليَّ أن أكون دمث الأخلاق هيناً ليناً مع جميع الناس بغض النظر عن الاختلاف الديني أو العرقي أو المناطقي، لذا حاولت جاهداً أن أكون خير سفير لديني ووطني، وأقدم الإسلام بصورة مشرفة، أما المعارف فإجادة اللغة الإنجليزية كانت بالنسبة إليّ نافذة مشرقة اطلعت من خلالها على صنوف شتى من معارف الغرب في الفلسفة والأدب ونظريات التربية علاوة على ذلك رحلتي العلمية لمرحلة الماجستير والدكتوراه التي مكنتني من الاطلاع على مناهج البحث العلمي الغربي ومدارسه، واستطعت أن أبني أطروحة علمية رصينة.
التدوين
نجح كثير من أرباب الفكر والعلم في تدوين غربتهم العلمية فكيف تجد تجربتك بين تلك التجارب ؟
نعم هناك جمع من أرباب الفكر نجحوا في تدوين تجاربهم العلمية في المنفى من أمثال أبي حامد الغزالي وطه حسين وعبدالوهاب المسيري وجلال أمين، وأنا لا أدعي أن تجربتي ترقى لمستوى النجاح الذي حققته تلك القامات العلمية السالفة الذكر، ولكن حسبي أني قدمت تجربة إلى طائفتين من أبناء وطني الطائفة الأولى: أصحاب الآمال والطموح في الحياة، فأريد أن أقول لهم: قفوا دون آمالكم وأحلامكم مستبسلين لا مستسلمين فطريق النجاح محفوف بالأخطار والزلل، والفشل جزء من رحلتك نحو النجاح؛ فإن تعثرت في الطريق فما هي إلا كبوة خيل فانهض وواصل المسير.
أما الطائفة الثانية: فهم المبتعثون السعوديون؛ فأقول لهم: إن الوطن ممثلاً بقيادته الرشيدة قد بذل لكم النفس والنفيس والوطن بحاجة لكم فأنتم أمله المشرق ومستقبله الزاهر؛ فجوسوا الأرض شرقاً وغرباً طلباً للعلم، ولا تعودوا لوطنكم إلا، وقد تشربتم العلم والمعارف والمهارات محققين آمالكم وأحلامكم السامية، وقد أصبحتم كالسنبلة مثقلة بجمهرة العلوم والثقافات.
برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث
هل حقق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث المستهدفات التي كان يتطلع لتحقيقها ؟
عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين أمره الكريم بإطلاق برنامج الابتعاث الخارجي كان يهدف من البرنامج إلى إيجاد رافد فعال لدعم الجامعات و سوق العمل بكفاءة بشرية سعودية مؤهلة بالمعارف و المهارات لتكون تلك الطاقات البشرية منافسا عالميا في جميع القطاعات الحكومية و الأهلية، فانطلق البرنامج بابتعاث كوكبة من الطلاب و الطالبات إلى أمريكا ثم اتسعت حلقة الابتعاث لتدخل في دائرتها الكثير من الدول المتقدمة مثل بريطانيا وأستراليا وإيرلندا ونيوزلندا وفرنسا وماليزيا، وكان الابتعاث يركز على التخصصات المتنوعة التي تلبي احتياجات التنمية المستدامة. وقد حقق برنامج الابتعاث الخارجي نجاحا منقطع النظير، وحقق المستهدفات المنوطة به بكل جدارة، وكان أثره جليا على مؤشرات سوق العمل فما كان من وزارة التعليم العالي ” وزارة التعليم حاليا» إلا أن طلبت من مقام خادم الحرمين الشريفين بالتفضل بتمديد البعثة لمدة خمس سنوات أخرى بداية من العام الهجري 1431هـ فاستبشر الطلاب والطالبات بهذه الهبة الملكية المباركة لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم في الحياة. ليكونوا مؤهلين لبناء الوطن والسير به نحو أفاق أر حب وأرقى.
تطلعات الرؤية السعودية 2030
كيف تقرأ برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (أيده الله ) للابتعاث الخارجي لا سيما وأنه يحقق تطلعات الرؤية السعودية 2030؟
نعم وبكل تأكيد فبرنامج الابتعاث الخارجي قد حقق تطلعات رؤية السعودية 2030 ففي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله قَوَّم برنامج الابتعاث الخارجي، واستفيد من التغذية الراجعة في تطوير أداء البرنامج ليكون متماشياً مع رؤية السعودية 2030
فاستُحدِثتْ مبادرة من مشروع برنامج الابتعاث الخارجي أطلق عليها «وظيفتك - وبعثتك» تمت من خلال عقد شراكة مع القطاع العام والقطاع الخاص بناءً على احتياجاتهم الفعلية من الكوادر البشرية ثم توفير فرص ابتعاث للموظفين من أجل تدريبهم وبعدها يضمن المبتعث الفرصة الوظيفية بعد انتهاء فرصة الابتعاث.
لقد ركز برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي على التخصصات النوعية التي تتماشى مع متطلبات رؤية السعودية 2030 ومن أهم تلك التخصصات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والحوسبة والخوارزميات والبرمجيات وهكذا طُوِّر برنامج الابتعاث ليلامس حاجات المواطن، ويحقق طموح الوطن وتطلعات قيادته الرشيدة لذا أدخل عليه بعض المسارات مثل مسار «الرواد»، ومسار «البحث والتطوير»، ومسار «إمداد»، ومسار «واعد»، وأصبح لكل مسار طلابه المستهدفون وتخصصاته الخاصة به وهذا ينم عن مرونة في برنامج الابتعاث الخارجي ليكون متماشياً مع الاحتياجات الوطنية ومتغيرات سوق العمل.
لقد كان لوزارة الموارد البشرية كلمتها في تشكيل مستقبل برنامج الابتعاث الخارجي ليكون وفق الوظائف التي سيزيد الطلب عليها، وذلك بناءً على المشاريع التنموية المرتبطة برؤية السعودية 2030 وذلك من أجل رفع أداء سوق العمل ليكون المرتبة الـ 20 في مؤشر كفاءة سوق العمل .
التبادل المعرفي والحوار الحضاري
لقد أشرت في كتابك إلى دور مبتعثي برنامج خادم الحرمين الشرفين نحو تعزيز التبادل المعرفي والحوار الحضاري مع الغرب في أثناء مسيرة ابتعاثهم فهل ترى أن ذلك الدور قد عزز جسور التواصل، وصحح كثيراً من المفاهيم المغلوطة عن قيمنا ومبادئنا الأصيلة بطريقة إيجابية بنّاءة؟
لقد نجحت الأندية الطلابية للمبتعثين التي تشرف عليها السفارات السعودية في الخارج لمد جسور التواصل مع أبناء الغرب واستغلت تلك الجسور في تمثيل الإسلام والوطن خير تمثيل وكان لتلك الجسور دورٌ كبيرٌ في تعزيز التبادل المعرفي والحوار بين الحضارات وهو ركيزة دينية دعا لها القرآن في قوله تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون ) آل عمران: 64.
ومن هنا أدرك الطلاب السعوديون المبتعثون أهمية حوار الحضارات في التركيز على القواسم المشتركة بين الشعوب مثل الإنسانية والصدق والأمانة والوفاء فكانت جسراً عبروا بها نحو قلوب الآخرين ونتج عن ذلك تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الدين الإسلامي السمح الوسطي الذي شُوّهت صورته من قبل بعض أصحاب الفكر الضال أو الوسائل الإعلامية الغربية الناقمة على وطننا وديننا الحنيف فكان للمبتعثون دورٌ كبيرٌ في تصحيح ذلك عبر سمو فكرهم في إنتاجهم العلمي ورقي أخلاقهم في تعاملهم مع الآخرين من أبناء الجنسيات المختلفة الذين دفعهم الفضول لمعرفة المزيد عن حضارتنا التي أوجدت جيلاً من المبتعثين أسروا الآخر بعلمهم الجم وسلوكهم السامي.
** **
@ali_s_alq