حاولت فهم هذا الكنز المطلوب لكل الناس، واجتهدت في البحث عنه، فوجدته، بفضل من الله تعالى، في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- في موضعين في سورة واحدة هي سورة محمد، وذلك في قوله تعالى: {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}، والمعنى أن الله تعالى أصلح للمؤمنين موضع سرهم وفكرهم، وذلك بالإيمان والتوفيق والسداد، وقوة الفهم والرشاد؛ لما يوفقهم له من محاسن الأعمال، ويطيب به اسمهم في الدارين.
وإذا أصلح الله تعالى بال العبد صلح ما يدخل إليه وما يخرج عنه وما يثبت فيه، وإذا فسد فبالضد من ذلك، ولذلك إذا اشتغل البال لم ينتفع من صفات الباطن بشيء.
فصلاح البال صفة التقوى والإحسان، ولا يتصف بها إلا أصحاب القلوب المخلصة الشاكرة، وأصحاب الهمم العالية والعزم والعزيمة والإصرار لخدمة الدين الإسلامي العظيم.
وفي تصوري أنه لا يعني صلاح البال فقط أن تعيش حياةً سعيدةً خالصةً من المنغصات، بل صلاح البال يعني راحة فكرك وعقلك من كلِّ الأمور التي تزعجك وتكدر عليك صفاء عقلك وقلبك.
ولصلاح البال فوائدُ كثيرةٌ تظهر من خلال أعمال القلوب والجوارح، وتتجلى من خلال سلوك الإنسان وتفكيره وتعامله، فمنها:
أولًا- إنه يمنح الإنسان الصفاء واللطف وسماحة القول والعمل.
ثانيًا- إنه يمنحه حسن النية والصدق والعزيمة، التي تتحقق بها الآمال والطموحات، والتي بها توجه إلى الوجهة الصحيحة، وهي معالي الأمور، وتنأى بها عن سفاسفها.
ثالثًا- إنه يحقق التسارع إلى التسامح لتصفية القلوب والنفوس، ونسيان الماضي والعيش في سعادة وراحة بال.
رابعًا- إنه يعين على تجديد المشاعر، فلا يبقى صاحب صلاح البال دائرًا في فلك مشاعر سلبية معينة، ولهذا تجد أهل صلاح البال من أكثر الناس قبولاً للأعذار بصدور رحبة، ولا يجدون غضاضة في الاعتذار.
خامسًا- إن من صلح باله رزق الثبات عند المواقف المزعجة التي تعترضه في يومه وليلته، فمثلاً لا تجده يستعجل الرد واتخاذ القرار، ولا يسارع بردات فعل غير مدروسة، بل يسر في نفسه، ويكتم في ضميره ردة فعله، ولا يبادر بها، ففي ذلك خير كثير كما حكى الله تعالى عن يوسف عليه السلام: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ}.
سادسًا- إن صلاح البال يسهم بشكل منظم في إسعاد الناس، وصناعة مواقف السعادة التي لها مردود لزيادة الإنتاجية.
سابعًا- إنه يؤثر على الصحة النفسية والانطباع العام؛ ليستمر مفعوله الإيجابي على حياتنا، ويعطي ثمارًا متنوعة بالخيرات والبركات؛ لتكون حياتنا كلها أفراحًا وسعادة.
وخلاصة القول: إنَّ حياة أصحاب صلاح البال صافية، فلا يمكن أن تجد صالح البال شاردًا ذهنيًا، ولا متجهمًا، ولا يحمل كرهًا وحقدًا، ولا يبيّت ظلمًا ولا هضمًا للآخرين، بل تجد لديه أسمى معاني الإنسانية متجسدة، وتجد مبادئ المسلم وأخلاق المؤمن متمثلة في تصرفاته وتعاملاته، فلا تفارقه الابتسامة، ولا يعزب عنه الحلم، وتجد الرحمة حيث كان، والسكينة حيث حل.
أخي الكريم إذا منّ الله تعالى عليك ووجدت صالح البال فاغتنم مصاحبته فلن تجده إلا صاحب فضل ودين، وخلق رفيع؛ فإننا بمصاحبة مثله نتعلّم منه، ونسعد براحة الضمير وصلاح البال.
وختامًا: أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم صلاح البال، والحكمة والسداد، وحسن الرؤية في تقدير الأمور وتجاوز الزلات من الأصدقاء والأقارب، وأن يعيننا على احتساب عظيم الأجر والثواب في ذلك.