يعتقد بعضهم أنه يجب أن يقرأ فقط من أجل الحصول على المعرفة والمعلومة، وأنه إذا كان بإمكانه أن يحصل على هذه الأمور من وسيلة أخرى (كمجالسة العلماء أو الاستماع إلى تسجيلات صوتية مثلًا) فإنه ربما لا يحتاج إلى القراءة، والحال أن للقراءة فوائد أخرى كثيرة لا تعد المعرفة والمعلومة سوى إحداها.
فأول فوائد القراءة الهدوء والسلام الداخلي الذي قد يضفيه الكتاب على القارئ؛ حين ينتهي يوم طويل ومتعب مليء بالأحداث والمواقف والمشاكل، ويسترخي على مقعد وثير ممسكًا بكتاب يخرجه من حالته ومن عالمه إلى عالم آخر مختلف جدًّا عما كان يعيشه؛ فقد يأخذه إلى عالم الفكر والثقافة والفلسفة، أو إلى عالم السفر والانتقال إلى بلدان أخرى، وقد يجول عبر الكتب في عقول فلاسفة عاشوا قبل مئات أو آلاف السنين، وقد تغوص به الكتب في أعماق ودهاليز النفس البشرية حين يقرأ رواية روسية قديمة.
هذه الممارسات تأخذ القارئ إلى عوالم أخرى تجعله يبتعد عما مر به من مواقف خلال يومه، وهو ما أكدته عدد من الدراسات حول تأثير القراءة في نفسية القارئ، وما تحدثه الكتب من (تشتيت ذهني) حين تأخذه عن همومه الخاصة بعيدًا إلى عوالم أخرى. كما أن لبعض الروايات تأثيرات إيجابية كبيرة في تخفيف الضغوط النفسية، وهو ما يعد بمنزلة التسلية المجانية.
وتخلق القراءة في القارئ حالة من التنشيط الذهني ربما تصل به إلى أن يكون ذا ذهن متقد ينعكس على أدائه حين يبدأ به يوم عمله، علاوة على تقوية ذاكرته. وتتحدث دراسات أخرى أيضًا عن دور القراءة في منع أو تأخير حصول مرض الألزهايمر والخرف، وذلك نتيجة بقاء الذهن نشطًا، تمامًا مثل عضلات الجسم التي يؤدي استمرار استخدامها، والمداومة على التمارين الرياضية، إلى احتفاظها بقوتها ومرونتها، وكما يقول المثل الشهير (use it or lose it) «استخدمها أو افقدها». حتى إن هناك بعض النصائح التي توصي بممارسة بعض الألعاب الذهنية في حال وجود تمنع من القراءة أو صعوبة أو عدم رغبة فيها لأي سبب كان.
وتحفز القراءة مهارات التفكير التحليلي، وذلك عند قراءة بعض الكتب الفكرية، أو بعض الروايات الجميلة، أو تلك التي تتسم بالإثارة والغموض. ومع الوقت واستمرار القراءة فإنها تسهم في زيادة المفردات اللغوية وتكسبها فخامة وقوة.
وفي زمن التشتت الإلكتروني حيث يقوم كثير من الناس بعدة أمور في دقائق معدودة؛ كالتأكد من البريد الإلكتروني، والرد على محادثة مستعجلة، والدخول إلى تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يزيد من حالة التوتر وتخفيض الإنتاجية، تأتي القراءة لكي تبقي الناس في حالة أفضل من التركيز. ولو جرب الطلاب القراءة من 15 إلى 20 دقيقة قبل الذهاب للمدرسة للاحظوا التغير الذي يطرأ على قدرتهم على التركيز عند وصولهم إلى المدرسة.
هذه بعض التأثيرات الجانبية التي تحدثها القراءة في القارئ، فضلًا عمَّا يحصل عليه من اطلاع وتوسيع لمعارفه، وتعرُّفه على الأفكار الكبرى والمستجدات التي تحيط به كل يوم.
** **
- يوسف أحمد الحسن