صدر أخيرا كتاب تاريخ المُلْك العسيري وهو من تأليف القاضي عبدالرحمن بن محمد الحفظي ت: 1259هـ/ 1843م، درسه وضبط نصه وعلق عليه: الدكتور علي بن عوض آل قطب أستاذ التاريخ المشارك في التاريخ الحديث بجامعة الملك خالد في أبها.
يعد مخطوط تاريخ الحفظي المسمى: تاريخ المـُلْك العسيري، من أهم مصادر تاريخ عسير خلال القرن الثالث عشر الهجري، بوصفه مصدرا يعتني برصد الأحداث التاريخية التي شهدتها منطقة عسير منذ العقد الثاني من هذا القرن حتى العقد السابع، أي أنه يغطي فترة انضمام عسير إلى كنف الدولة السعودية الأولى، ويغطي الفترات التاريخية اللاحقة التي خضعت فيها منطقة عسير لحكم الأمير سعيد بن مسلط، والأمير علي بن مجثل، وشطر كبير من فترة الأمير عائض بن مرعي، يضاف إلى ذلك أن هذا المخطوط اعتنى أيضا بتدوين معلومات تاريخية مهمة عن مقاومة أمراء عسير ومقاتليهم لحملات محمد علي باشا، وسجل بعض الأخبار المتعلقة بالشأن الاجتماعي، وما يخص بعض القبائل، فضلا عن تدوينه لوفيات بعض العلماء أو الأعيان في عسير.
كما يميط هذا المصدر اللثام عن صورة الواقع التاريخي في عسير خلال فترة زمنية كبيرة من القرن الثالث عشر الهجري، مقدما عديدا من الإجابات المهمة للعديد من التساؤلات المتعلقة بموضوعات شتى في تاريخ عسير الحديث، إذ هو يشرح كيفية انضمام عسير إلى كنف الدولة السعودية الأولى، ويؤرخ للعديد من الأحداث التاريخية المتعلقة بها، لاسيما حملة ربيع بن زيد الدوسري، وتأسيس إمارة آل المتحمي، التي كان الأمير محمد بن عامر أبو نقطة المتحمي أول أمرائها.
يبرز هذا المصدر التاريخي الجهود السياسية والعسكرية الكبيرة المبذولة في سبيل توطيد نفوذ الدولة السعودية الأولى في مناطق غرب وجنوبي الجزيرة العربية، كما يظهر مقاومة أمراء عسير لحملات محمد علي باشا، واشتراكهم ضمن القوات السعودية للذود عن أراضي الدولة السعودية الأولى. كما يكشف هذا المصدر أيضا ملابسات ثورة الأمير سعيد بن مسلط ضد قوات محمد علي باشا عام 1238هـ/ 1823م، وتمكن الأمير سعيد من سحق تلكم القوات في معركة وادي عتود، وتأسيسه لإمارة سياسية قوية في عسير، ثم يرصد هذا المصدر التاريخي باستفاضة الأعمال العسكرية التوسعية التي قام بها الأمير علي بن مجثل -الذي خلف الأمير سعيد في حكم عسير- في المخلاف السليماني وتهامة اليمن، متناولا الظروف التاريخية المتعلقة بوفاته، وموضحا كيفية انتقال السلطة إلى الأمير عائض بن مرعي الذي تحدث عنه هذا المصدر طويلا ولا سيما في سياق مقاومته الباسلة لحملات محمد علي باشا.
من جانب آخر فإن هذا المصدر التاريخي أورد معلومات تاريخية مهمة عن علاقات الأمير عائض بالقوى السياسية المجاورة، لاسيما الشريف محمد بن عون في الحجاز، والشريف الحسين بن علي بن حيدر في المخلاف السليماني، متتبعا في أثناء سرده التاريخي أخبار بعض العلماء والفقهاء في عسير ولا سيما من أسرة آل الحفظي، وأدوارهم القضائية، وتواريخ وفياتهم، كما لم يفته أن يرصد وفيات بعض الأعيان، وبعض الزعامات القبلية، وأخبار بعض القبائل في عسير، ليس هذا فحسب بل إن هذا المصدر تقصى أخبار بعض الأوبئة، والكوارث، والنوازل، والظواهر الطبيعية التي عاصرها وشاهدها في عسير.
والدكتور علي آل قطب غني عن التعريف فقد صدر له عديد من الكتب التي تعنى بتاريخ منطقة عسير، وتحقيقه لهذا المصدر المتقدم في تاريخ المنطقة يعد سبقا علميا متفردا يحسب له، ويستفيد منه طلاب العلم والباحثون في تاريخ المملكة عموما وعسير خصوصا.
** **
- نوال بنت إبراهيم القحطاني