تسهم المشاريع المقررة في تحقيق نواتج التعلّم المتعلقة بالقيم، والاستقلالية، والمسؤولية، من خلال إستراتيجيات تدريسية متنوعة؛ كالأنشطة الجماعية، والعروض التقديمية، وكتابة التقارير، والمشاريع. حيث تُنمي هذه الأنشطة روح الفريق، وتطور المهارات العلمية والشخصية، وتبرز قدرات الطالبات المتنوعة ومهاراتهن المختلفة. كما تساعد الأستاذة في الكشف عن المواهب التي قد لا تكون ظاهرة أثناء ساعات الدرس. هذا ما لاحظته خلال تجربتي الدراسية مع طالباتي، حيث أنتجن لعبة ذكية في الشعر العربي مستلهمة من لعبة «الكاروتا» في الثقافة اليابانية، وربطنها بعام الإبل في المشروع الختامي لمقرر العروض والقافية.
أحب من يفكر خارج الصندوق، من يُثري المقرر بأفكار إبداعية خلاقة وغير مكررة، من يرسم الدهشة ويجبرنا على التصفيق. لذا دائمًا ما أشجع طالباتي على التحليق، على إشعال عقولهن الوقادة، واستخراج الكنوز المدفونة. وكثيرًا ما أوفّق، ولله الحمد، بطالبات يملكن هذا الشغف على اختلاف تخصصاتهن؛ حيث يكون المشروع الختامي مرتعًا خصبًا لتنفيذ هذه الأفكار، وتطويعها على أرض الواقع. ومن المشاريع المميزة: مشروع طالبات المستوى الخامس في مقرر العروض والقافية، من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.
عادةً ما نبدأ في الحديث عن المشروع في الأسابيع الأولى، عندما أعرض عليهن خطة المقرر، ومتطلباته، وتقييماته، وأتيح لهن فرصةً للعصف الذهني وطرح الأفكار الممكنة. أتذكر بريق الفكرة في عين الطالبة لبنى الحديثي وهي تحدثنا عنها، ثم ابتسامات الشغف المعجبة والمشجعة والمساندة من زميلاتها اللاتي لفتن نظري منذ المحاضرة الأولى بأذنهن الموسيقية وحبهن للشعر والعروض. كنت أنتظر يوم عرض المشروع بكل شوق لثقتي بما سيقدمنه، وكانت النتيجة هذا المشروع الذكي جدًا، المستقى من الثقافة اليابانية، حيث طبقنه على المقرر وحولنه إلى لعبة بالشعر العربي.
تحكي لي لبنى قصتها مع لعبة «الكاروتا»؛ حيث تعرفت عليها أثناء مشاهدة «الأنمي»، وهي أعمال الرسوم المتحركة اليابانية التي لها شهرة حول العالم وتنقل الثقافة اليابانية إلى المشاهد. تقول: لفت انتباهي جمعهم للشعر مع المتعة، وكانت الرسوم المتحركة مدبلجة إلى اللغة العربية؛ فاستبدلوا الأشعار اليابانية بأشعار عربية وإنجليزية، فاستلهمت فكرة المشروع منها. لم أطبقها تمامًا كما هي في اللعبة الأصلية، حيث إنها تحتوي على مئة قصيدة، بينما لعبة المشروع العربية كانت أبياتًا شعرية، وغيرت في بعض التقنيات.
تكمل لبنى: «أنا ممتنة جدًا لصديقاتي فقد شجعنني كثيرًا، وكنت كالطائر الذي يغرد فوق غصن الشجرة، وهن الشجرة التي تحملني وتساندني وتخفف عني غبار الرياح».
كم أنا سعيدة بهذه الأفكار الإبداعية الممتعة التي تخرج بنا عن الأنماط التقليدية في المشاريع، وفخورة ببناتي ومنجزهن الذي أُخرج بطريقة احترافية، وبتفاعلهن، واختيارهن للأبيات الشعرية الرصينة، وربط المشروع بعام الإبل عن طريق التصميم، والتنوع في انتقاء النماذج من الشعر الجاهلي حتى العصر الحديث، وتدوين البحور الشعرية.
** **
د. أحلام بنت منصور الحميد القحطاني - أستاذ الأدب والنقد المشارك بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن