وأَحسَنُ الحالاتِ حالُ امرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
والذي توفي فجر يوم السبت 18-3-1446هـ بمنزله في محافظة البكيرية، وتمت الصلاة عليه بعد صلاة عصر يوم الأحد 19-3-1446هـ بجامع البابطين شمال الرياض، ثم حُمل جثمانه الطاهر إلى مهوى رأسه -محافظة حريملاء- حيث وُورِيَ الثرى في مقبرة «صفية» في أجواء حزن على فراقه، تغمده المولى بواسع رحمته.
مُجاور قوم لا تزاور بينهم
ومن زارهم في دارهم زار همدا
ولقد كانت ولادته في حريملاء عام 1354هـ، وعاش في بيت علم ودين من أبوين كريمين، حيث كان والده الشيخ تركي بن عبدالله التركي من الدعاة الذين أرسلهم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في منتصف الخمسينيات الهجرية إلى جنوب المملكة لتعليم الناس أمر دينهم، وكان له أثر طيب هناك ونفع الله به. كما أن والدته موضي بنت حمد الحمد معلمة القرآن في حريملاء، حيث كان بيتها مدرسة لتعليم البنات القرآن الكريم، وقد انتقل مع والدته إلى الرياض وعمره عشر سنوات تقريباً، حيث استمرت في تعليم البنات القرآن الكريم، ثم التحقت بمعهد النور للكفيفات عند افتتاحه، وشجعت البنات للدراسة بالمعهد، وقد وصفت بأنها امرأة قوية الشخصية توفيت عام 1390هـ رحمها الله.
وقد التحق الفقيد بالدراسة النظامية إلى أن نال الشهادة المتوسطة، وبعدها عُين في وزارة المالية عام 1375هـ، وخلال تلك الفترة تم انتدابه إلى المدينة المنورة لمدة أربعة أشهر تقريباً، والتقى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمهم الله- ورافقه واستفاد من علمه، ثم عاد إلى الرياض، وانتقل إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فترة من الوقت، وفي أواخر الثمانينيات الهجرية التحق بالعمل في إمارة بريدة خلال فترة إمارة الأمير فهد بن محمد -رحمهم الله- وكان محل ثقة الأمير هناك، ثم أصبح مديراً لمكتب الضمان الاجتماعي في مدينة البكيرية في بداية تأسيسه والعمل فيه لسنوات طويلة بكل إخلاص، حيث كان يقوم بمساعدة المحتاجين من أهالي المنطقة وأهل البادية في التسجيل في الضمان الاجتماعي، وكان محبوباً لديهم ويدعون له.
خَيرُ أَيّامِ الفَتى يَومَ نَفَع
وَاصطِناعُ الخَيرِ أَبقى ما صَنَع
وقبل تقاعده بسنتين انتقل للعمل بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ثم بالمعهد العلمي في محافظة البكيرية إلى أن تقاعد عام 1414هـ، وظل هناك إلى أن توفاه الله حميدة أيامه ولياليه، رحمه الله رحمة واسعة.
ولي مع أبي خالد ذكريات جميلة، وقد استمرت علاقتنا به بعد انتقال الابن عبدالرحمن للدراسة بكلية الشريعة بالقصيم في عام 1406هـ مع مجموعة من زملائه، حيث كان أبو خالد بمثابة الأب والموجه لهم خلال فترة دراستهم هناك، ويقوم بإكرامهم وتبادل الأحاديث الشيقة معهم.
حَبِيبٌ إلى الزُّوّارِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ
جَمَيلُ المُحَيّا، شَبَّ وهْوَ «كَريمُ»
وامتدت العلاقة طوال هذه السنين حيث نتبادل الزيارات فيما بيننا، وكذلك الاتصالات مستمرة إلى قبيل وفاته -رحمه الله- بساعات معدودة، حيث قمت بالاتصال به عصر يوم الجمعة للاطمئنان عليه ومذكراً له بعض المواقف الجميلة فسرّه ذلك، وكأنه الوداع الأخير، وكان حينها مسروراً بزيارة عدد من أبنائه وبناته حيث توفي بعدها بساعات، رحمه الله رحمةً واسعة.
يا راقِدَ اللَيلِ مَسروراً بِأَوَّلِهِ
إِنَّ الحَوادِثَ قَد يَطرُقنَ أَسحارا
وقد خلّف ذرية صالحة بنين وبنات وخلّف إرثاً من المحبة لكل من عرفه حيث كان كريماً محباً للخير ولمساعدة الضعفة والمحتاجين والأرامل، رحم الله الفقيد وأسكنه عالي الجنان، وألهم أبناءه وبناته وأسرة التركي ومحبيه الصبر والسلوان.
ستبقى لكم في مُضمَر القلبِ والحَشَا
سريرةُ ودٍّ يومَ تُبْلَى السَّرائِرُ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف