حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
أخذت المكتبات تتأقلم مع الواقع الجديد، وراحت تتحول بنجاح إلى العصر الرقمي من خلال تأمين مجموعة واسعة من الموارد المتوفرة رقمياً، ووسائل التواصل المتعددة، وصارت تحوي القرص المدمج والكتاب الالكتروني، وأجهزة الكمبيوتر، ولجأت إلى الافكار المبتكرة لتغيير مواردها، ونماذج برامجها المعتمدة لديها، ومجموعة الخدمات التي توفرها لروادها، والمكتبات ليست مجرد أمكنه لبيع الكتب وشرائها، والقراءة فيها، بل هي حسب نورا دالى امينة المكتبة الرقمية في بريطانيا، أنها موجودة لتجمع وأحياناً لتستحدث المعرفة ولتحافظ عليها، ولتساعد في نشرها ودعمها، وتضمن الوصول الحر المثمر منها وإليها وذلك بعض النظر عن الشكل الذي تعمل فيه.
ويثير هذا سؤالاً وهو:
هل عرض العلوم والمعارف في صورة رقمية، واتاحتها لطالبيها وراقميها في كل زمان وأوان ومكان سيكون هو الهدف مما نطلق عليه اسم (المكتبة)؟ ثم مع افتراض أن تكون الاجابة بنعم، فهذا يعرج على سؤال هام أخر وهو: ما الصورة التي يمكن أن تكون عليها مكتبة المستقبل؟ والجواب أنه يرى الدارسون في عالم الكتب، كما يشير الباحثون في محيط التأليف والبحث والتصنيف أن الأمر بعد هذا الانفجار المعرفي والتدفق الثقافي يحتاج إلى إعادة النظر في الخدمات التي تقدمها المكتبات بشكل عام، ففي عام 2012م نشر مجلس الفنون في انجلترا مجموعة واسعة من الأبحاث التفصيلية تصور شكل (مكتبة المستقبل)، كما أنها تهدف إلى اعادة صياغة دورها، وخلصت هذه الأبحاث إلى أنه بالإضافة إلى التأكيد على الحاجة الشديدة لوجود المنشورات الورقية والرقمية على حد سواء وأنه على المكتبات الحديثة أن تقدم خدمات أكثر تناغماً، وأوسع شمولاً مع تطلع المجتمع، وتطوره ولا يتم هذا الأمر إلا باشتراك أفراد المجتمع على ابتكار الأنشطة المختلفة التي تؤديها المكتبات مثل: قراءة الكتب، وأنشطة الأطفال، ومساحات البحث والدراسة والتواصل العالمي ومراكز النشر، ومختبرات التعلم الورقي، ومن شأن هذه الأمور استقبال شريحة كبيرة من المجتمع للتواصل والالتقاء الثقافي.
ويقول أمير موسمي أحد مصممي مشروع مكتبة بغداد الجديدة في عام 2013م لتحل مكان المكتبة الوطنية في العراق التي دمرت في عام 2003م والتي تحوي أكبر مستوى قرائي في العالم: (المكتبات تقليدياً هي أماكن غير اجتماعية لا تسمح بإقامة المحادثات الكلامية، ولكن الأمر تغير كثيراً، ولم تعد المكتبة كذلك، فلا يوجد في بغداد الكثير من الساحات العامة التي تسمح بالتواصل الاجتماعي، وعلى مكتبة بغداد الجديدة أن تكون واحدة منها).
والسؤال المطروح ما الصورة التي يجب أن تكون عليها مكتبة المستقبل؟؟
والجواب كالتالي:- على مكتبة المستقبل الابتعاد عن مفهوم المكتبة الكلاسيكية القديمة والتي تحوي غرفاً مليئة بالرفوف تحمل سلاسل من الكتب المجلدة والمرقمة.
- يجب أن تكون مكتبات ذات مساحة واسعة رحبة قريبة في طرازها المعماري الحديث من المراكز التجارية مما يجعلها منفتحة ومضاءة وشفافة.
- كما يجب أن تكون مكتبة المستقبل جزءاً من مستقبل اقتصادي أفضل مما عليه هي الآن، ومثاله: مكتبة برمنغهام في المملكة المتحدة التي افتتحت في عام 2013م ، واعتبرت أكبر مكتبات أوربا مساحة, وخصصت لها ميزانية وصلت إلى 188 مليون جنية استرليني.
وصارت مركزاً للدعم التجاري, وهو عبارة عن طابق كامل, يعمل القائمون على المكتبة من خلاله بإطلاق 500 مؤسسة تجارية عالمية.
- ومن أمثله مكتبة المستقبل مكتبة (سياتل) العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بنيت عام 2004م، فمبناها من حيث الطراز المعماري من أكثر المساحات في الابتكار والتفنن في العصر الحديث, حيث اشتهرت هذه المكتبة بغرف القراءة ذات الأسقف الزجاجية التي تجذب إليها المتسوقين من مختلف فئات المجتمع، كما يمكن للناظر إليها من الخارج رؤية حركة المصاعد الكهربائية في داخلها, وهذا الطراز الفني من شأنه جذب الناس من المارة إليها, وفي فعلها هذا هي تحاذي فعل مراكز التسوق التجارية الحديثة ذات المتعة والرؤى الجديدة.
ويرى الباحثون والمعنيون بالمكتبات أن الطراز المعماري المكتبي الحديث في القرن الواحد والعشرين يمكن أن يعد دليلاً على بقاء المكتبات وديموميتها كجزء من ايقاع المدن, ونبضها الحيوي, وقد اسهم العصر الحديث في خدمة المكتبات وذلك حينما قدم لها تحديات وفرصاً للاستمرار والازدهار والبقاء, وعلى المعنيين بعلم المكتبات والدارسين لطرازها الفني وشكلها الهندسي المعماري جعل المكتبة تحوي بنية تحتية متكاملة يستفيد منها الباحث والفنان والناقد عل حد سواء, مما يمنحهم الفرصة ويمكنهم من العثور على مواردهم الثقافية في مقام واحد ومن هنا لا بد من التفكير في تطوير المكتبة الكلاسيكية القديمة بحيث نجعل منها جسراً مشاداً بين أفراد المجتمع وشرائحه واعنى بهم الباحثين والمثقفين والمتطلعين من ذوي الفكر الثقافي المتشابه.
وقد أبدع الصينيون في تطوير المكتبات, فأنشأوا مكتبة (تيانجين) الصينية وتفننوا فيها كمثال متكامل على مكتبة المستقبل القادم, فجعلوها بقاعة كروية الشكل, وحوائط لها رفوف على هيئة الشلال المتموج, تضم ما يقارب من 102 مليون كتاب, ويشبه تصميمها تصميم عين عملاقة عند رؤيتها من الخارج, وأطلق عليها مسمى: (مكتبة المستقبل) ويسميها البعض: (محيط الكتب), وهناك من يطلق عليها (بحر الحكمة) أو مسمى (العين).
ومكتبة (تيانجين) التي افتتحت أخيراً في منطقة (بينهاى) بمقاطعة (تيانجين) تحوي محتويات ببلو جرافية, وتصميماً واسعاً متموجاً متشابهاً مع الطبيعة والعين البشرية.
والسؤال: هل نعرف أو نتوقع ما الذي ستفعله تكنولوجيا المستقبل بالمكتبة الكلاسيكية التقليدية؟ لا توجد إجابة نهائية شافية وافية للسؤال, غير أنه يجب أن تكون المكتبات ملتقى للمستقبل, ومستدعى للماضي, وأكثر احاطة وشمولاً بالجديد الحديث, والتراث القديم.
مادة المقال مستقاة من:
- مكتبة المستقبل الصينية «بحر الحكمة» تضم 102 مليون كتاب. العين الاخبارية.
- مستقبل المكتبات. اسماعيل سراج الدين.
- في عصر الانترنت المكتبات هنا وستبقى - العربية.