حائل - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح العبيلان مفوض الإفتاء بمنطقة حائل سابقاً، وجوب إبعاد الدين عن السياسة، لأنّه سيكون حينئذٍ وسيلة لا غاية، وسيؤدي إلى تحريفه وتشويهه وفقد الناس الثّقة به، وهذا ما وقع فيه بالفعل كثير من المنتمين للطوائف والجماعات الإسلاميّة المعاصرة، وهو ما وقع فيه اليهود والنصارى، قال تعالى: (اتَّخَذوا أَحبارَهُم وَرُهبانَهُم أَربابًا مِن دونِ اللَّهِ وَالمَسيحَ ابنَ مَريَمَ وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدوا إِلهًا واحِدًا لا إِلهَ إِلّا هُوَ سُبحانَهُ عَمّا يُشرِكونَ)، لأنّهم كانُوا يَأْخُذُونَ بِأقْوالِ أحْبارِهِمْ ورُهْبانِهِمُ المُخالِفَةِ لِما هو مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أنَّهُ مِنَ الدِّينِ، فَكانُوا يَعْتَقِدُونَ أنَّ أحْبارَهم ورُهْبانَهم يُحَلِّلُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، ويُحَرِّمُونَ ما أحَلَّ اللَّهُ، وقال - صلى الله عليه وسلم -:((إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ)).
وقال تعالى: (وَدّوا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنونَ وَلا تُطِع كُلَّ حَلّافٍ مَهينٍ هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَميمٍ) [القلم: 9-11]، وفيها من العلم:
قالَ اللَّيْثُ: الإدْهانُ اللِّينُ والمُصانَعَةُ والمُقارَبَةُ في الكَلامِ، قالَ المُبَرِّدُ: داهَنَ الرَّجُلُ في دِينِهِ، وداهَنَ في أمْرِهِ إذا خانَ فِيهِ وأظْهَرَ خِلافَ ما يُضْمِرُ، والمَعْنى تَتْرُكُ بَعْضَ ما أنْتَ عَلَيْهِ مِمّا لا يَرْضَوْنَهُ مُصانَعَةً لَهم، فَيَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ ويَتْرُكُوا بَعْضَ ما لا تَرْضى فَتَلِينَ لَهم ويَلِينُونَ لَكَ.
وشدد العبيلان على أنّ من كانت هذه صفاتهم فإنّهم يجعلون الحلف وسيلة لإقناع الآخرين فيكثرون منه صِدقاً وكذباً، فتتعدد الوجوه والخطاب بأكثر من لسان، إلى درجة أنّ بعضهم يعتبر السياسة فناً من فنون التمثيل، بمعنى؛ أنّ السياسي ينبغي أن يكون قادراً على تقمص الأدوار، وقادراً على الخروج على العامة بلغاتٍ عديدة وأشكال كثيرة من أجل إرضاء جميع الأذواق، وتلبية جميع الرغبات، مشيراً إلى أنّه ترتب على ذلك هجر الدعوة إلى التوحيد، وصرف العامة عن الأمر الذي خُلقوا له إلى الانشغال بالقيل والقال والمظاهرات والمهرجانات، بل حرّفوا الولاء والبراء؛ فبعد أن كان للتوحيد والسنّة صار للشعارات والحركات، فصاروا يتلاعبون بالجماهير وكأنّهم قُطعان من البهائم، فكانوا كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: «فلا أقاموا ديناً ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا».