الدمام - خاص بـ«الجزيرة»:
نبه الشيخ عبدالله بن محمد اللحيدان، الداعية وخطيب الجمعة بالمنطقة الشرقية من خطورة التساهل والتهاون بالمجاهرة بالمعصية، وإشاعتها، وهي جرم خطير، وحيث انتشر السلوك المشين في عصر التقنية الحديثة وتنوع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح الضرر لا يتعدى أفراداً بل الملايين من البشر، مبيناً أن المجاهر بالمعصية هو الذي يفعل المعصية علانية، أو يهتك ستر الله لها بذكرها علانية بعد أن ستره الله مفتخراً، أو مستهيناً بستر الله له، أو يتحدث بالمعاصي وطلب فعلها، ولو لم يفعلها بنفسه، فكل ذاك مجاهرة بالمعصية، وإعلان مقيت لها، وهذه المجاهرة بالمعاصي تتم عن مرض قلب صاحبها وعدم حيائه من الله، بل هو المستخف بأمر الله وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- وبصالح المؤمنين، وقد يكون هذا المجاهر قد أخذته العزة بالإثم، فأظهر المعصية كضرب من العناد، أو التحدي، وليته علم من ستكون عليه الدائرة عندما لا يكتفي بمعصية خالقه، بل يمعن في إغضابه بالدعوة إلى معصيته فيعرض نفسه للحرمان من عفو ربه.
ويضيف الشيخ اللحيدان: وبهذا يتبين لنا عظيم شأن المجاهرة بالمعاصي، فالمعصية انتهاك لحرمة الشرع بلاشك، ولا يهون أمرها في قلب مؤمن ولكن قد يهون أمر محوها بالتوبة النصوح منها، ما دام أثرها قد زال، ولكن المجاهر بالمعصية على خطر عظيم من ملاحقة شؤوم المعصية له إلى يوم القيامة، قد يموت العاصي غير المجاهر وينتهي وزر معصيته بوفاته لانقطاع أثرها عنه، ولكن من قد نقل المعصية عنه غيره، وهو قد تكبد من أوزارها جرم مجاهرته بها واقتدائهم له، بفعلها وغيرهم قد اقتدى بهم، وهو الذي قد بذر شرها، فأي طريق طويل، وأي سلسلة ممتدة لا تنقطع من الأوزار قد تلاحق المجاهر وهو لا يدري، ومن هنا تتضح الرؤية المبينة لخطورة الموقف إذ إن المجاهرة بالمعاصي هي إشاعة لها، والله عز وجل قد حذرنا من هذا السلوك أيما تحذير، فقال جل من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وكذا ما ثبت عن نبيه المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه».
وكما أن ضرر المجاهرة لاحق بصاحبها إلا أنه لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى المجتمع الذي يجاهر بالمعاصي ويعلنها فتختل القيم الدينية والأخلاقية فيه، مما يجعله عرضة لعقاب الله، ونزول الأوبئة والأمراض الفتاكة وظواهر الهلاك الجماعي، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله» رواه أحمد، وجاء من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قوله: -صلى الله عليه وسلم- «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا...» رواه ابن ماجه والحاكم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا ظهر الخبث»، وظهوره إنما هو بالمجاهرة بفعله وإعلان ذلك ونشره وإشاعته.