يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}، من هذا المنطلق ومن هذه الآية الكريمة يتبين لنا أهمية الحوار والمناقشة والجدال في ديننا الإسلامي مع الآخر، والمقصود بالآخر في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب اليهود والنصارى. ويقال إن هذه الآية نزلت عندما أقبل وفد النصارى من نجران. وهذا تصريح رباني واضح وصريح فيه الدعوة للحوار مع اليهود والنصارى حتى نصل إلى نتيجة نهائية لا مفر منها، وهي دخولهم في الإسلام أو تعريفهم على الإسلام، وهو الذي أعطى للعرب الذين كانوا يقطنون الجزيرة العربية أهمية كبيرة، وجعلهم يملكون مفاتيح قصور كسرى والشام، عدا عن تهذيب أخلاق العرب وتعريفهم بخالقهم جل وعلا، فالباحث في تاريخ الأمة العربية قبل الإسلام يجد العديد من المشاكل التي عانت منها الأمرين مثل وأد البنات وشرب الخمر والعصبية القبلية وغيرها من مشكلات المجتمع الجاهلي الذي كان في حاجة شديدة للتغيير والتبديل.
تنبع أهمية الحوار في الاستماع للطرف الآخر والحديث معه ومحاولة إقناعه والاستفادة منه، فعلى سبيل المثال عندما طرح موضوع قيادة المرأة للسيارة تحت قبة مجلس الشورى بشكل رسمي من قبل دكتور محمد آل زلفة، ضجت الصحف والقنوات بهذا الخبر، وانتشر اللغط هنا وهناك، حتى تم مصادرة الفكرة دون نقاش، وتم معاقبة صاحبها دكتور آل زلفة، ولكن وبعد مضي العديد من السنين، تم إعادة نفس الفكرة للواجهة، وتم طرحها ومناقشتها في الصحف والبرامج التلفزيونية بشكل حضاري، ومن جميع الجوانب، فكانت النتيجة أن الفكرة قد نجحت، وأصبح تمكين المراءة في المملكة العربية السعودية ضرورياً وممكناً.
أهمية الحوار والنقاش تظهر بشكل واضح في جلسات مجالس الشركات واجتماعات الإدارات العامة، وفي العائلة على طاولة الطعام، وفي المدرسة بين التلاميذ والمعلمين، وكلها بين الأخذ والعطاء، غير أن المهم هنا هو الحوار بين الثقافات والأديان، وهو موضوع في غاية الأهمية، فعلى سبيل المثال هل يستطيع أي كيميائي مسلم أن يتجاهل ما وصل إليه إسحاق نيوتن في هذا المجال؟! وكذلك هل يستطيع أي طبيب نفساني مسلم أن يتجاهل دور فرويد والفرد أدلر في هذا المجال؟!
البعض منا يقول علينا أن نأخذ من الغرب الاكتشافات المادية كالطائرات والسيارات، ثم تراه بعد ذلك يشتم أفكارهم وفلسفتهم، وهذا خطأ جسيم، فإذا أردنا أن نحذو حذو الأوروبيين علينا أن نأخذ منهم الفلسفة التي أنتجت لنا هذه الاكتشافات المادية الحديثة.. أليس من حقنا أن نفخر بابن رشد وابن سينا وابن حزم والفارابي وابن النفيس؟! ثم علينا أن نقرأ أفكار أولئك الفلاسفة الأوروبيين كفولتير وديدرو وموليير فربما استطعنا فهم العقلية الأوروبية.