الموت يأتي فجأة بدون سابق إنذار، مفرقاً بين الأهل والأحبة، بين الطفل وأمه. أحياناً لا يحزننا حدث الموت لأنه حقيقة لا بد منها، بل يحزننا الفراق بدون وداع، تحزننا كل الأفعال الجميلة التي قمنا بتأجيلها إلى الغد، إلى كل اللقاءات التي لم يكتب لها أن تتم. فتتملّكنا الحسرة على كل حدث وفعل مؤجل، نتوه بين ألم الفراق والاشتياق. فيأخذنا الحنين إلى الماضي بتفاصيله الجميلة وذكرياته المجيدة، لكننا لا نستطيع التخلص من حقيقة الحاضر المؤلمة، حاضر بمشاعر تائهة تبحث عن عناق لا يمكن أن يحدث، تبحث عن حضن دافئ فلا تجد غير الفراغ، فما أصعب رحيل الأم.. نعم ما أصعبها من لحظات برحيل أمي الغالية نعيمة حسن الرفاعي -رحمه الله تعالى- التي غادرت الحياة الفانية منذ عام وتحديداً يوم الثلاثاء 14-3- 2023م المرأة الصالحة الناصحة، بفراقها فارقني الأمان وأحسست بغربة في الزمان والمكان، رحلت الغالية ورحل معها كل الحنان والعطف والأمان.
أمي نعيمة كم أحب هذا الاسم بلا حدود، لأنه اسم أمي الحنونة الحبيبة التي حلت بركتها وطيبتها في حياتي منذ ولادتي حتى كبرت مع بقية إخواني وأخواتي، فيكفي أنها امرأة صالحة كانت صابرة محتسبة صوّامة قوّامه، تحب الأقارب والأحباب وتحرص على الزيارات وصلة الرحم وتلاوة القرآن الكريم، وتحب أن تعطف على المساكين والمحتاجين وتمد لهم يد العون بكل سخاء وعطاء ونبل وكرم, لأنها امرأة نشأت على هذه القيم الدينية والتربوية والاجتماعية من أبوين صالحين، فقد كسبنا من مدرستها القيمة ما كفانا عناء التربية والتنشئة التربوية والسلوكية والأخلاقية والاجتماعية السليمة.
أمي ما أجملك، لم أذكر في حياتي أن سمعت صوتك مرتفعاً، لم أسمع منك قط كلمة سوء في الآخرين، ما أعظمك -رحمك الله-. صحيح أنك لم تنالي نصيباً من التعليم، ولكنك كنتِ مدرسة في منهجك القيمي والتربوي والديني، فكنتِ القدوة الحسنة لأبنائك وبناتك الذين يدينون لك ولوالدنا الغالي -رحمه الله- بما يملكونه من سمعة ومحبة وسيرة ورفعة ومكانة في محيطهم العائلي، لم نتعلَّم الأدب والأخلاق الحسنة ومحبة الناس إلا من خلال مدرسة أمي ما أعظمك يا أماه.. كانت امرأة صالحة صبرت على مرضها طويلاً ومع شدة المرض والابتلاء كانت مدرسة من الصبر والاحتساب والإيمان بقضاء الله وقدره.. لم تفارقها الابتسامة والبشاشة عندما يزورها الأبناء والأقارب وكل من أحب هذه المرأة الصالحة.. وظلت متمسكة بحبل الصبر المتين فرحلت عن دنيانا الفانية وقد تركت سيرتها العطرة وسمعتها النيِّرة حاضرة في القلوب والوجدان. فما أصعب فراق الأم وما أقسى لحظات الغياب والشوق لمن رحل، والله المستعان.
أسأل العلي القدير أن يجعل ما أصابها تكفيراً للخطايا، وتمحيصاً للذنوب، ورفعة للدرجات.. اللَّهم إن أمي (نعيمة) في جوارك فأكرمها بكرمك وارحمها برحمتك. واجعلها في الفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب ولا سابق عذاب.. فأنت الكريم الرحمن المنان الرحيم.. وأخيراً نقول: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن على فراقك يا أم الحنان والإحسان (أم زياد) وها هي الأيام تمر والشهور تنطوي وذكراك العطرة وحنانك الأمومي الذي احتواني ورباني ما زال حاضراً وسيظل في النفس والوجدان.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا الحليم.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- زياد سليم عنبرة