في عصرنا الحالي المنغمس في ثقافة الشهرة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت مفاهيم القيمة الحقيقية والنجاح محل جدل وتأمل عميق. فكثيرًا ما يُقدر الناس أنفسهم بناءً على عدد المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، أو عدد الإعجابات التي يحصلون عليها، دون أن يعكفوا على تقييم قيمهم الحقيقية أو مبادئهم الأخلاقية.
الحقيقة المؤسفة هي أن هذا السباق وراء الشهرة والانتشار الافتراضي يؤدي في كثير من الأحيان إلى تضليل الأفراد بشأن قيمهم الحقيقية ومساراتهم في الحياة.
إن مشاركة الصور المثيرة أو الحصول على الإعجابات الكثيرة قد تعطي انطباعًا مؤقتًا من الرضا الذاتي، ولكنها لن تمنح السعادة الحقيقية أو الإشباع الروحي الدائم.
القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في عمق أخلاقه وثبات مبادئه.
فالشخص الذي يتمسك بقيم الصدق والنقاء والعطاء والتسامح ويسعى للإسهام في خدمة المجتمع ورفعة الأخلاق، هو الذي يحمل القيمة الحقيقية في المجتمع. إنه الشخص الذي يعيش حياة ممتلئة بالمعاني الجميلة والأهداف النبيلة، بعيدًا عن سطحيات الشهرة والانتشار الظاهري. ومن المؤكد في نهاية المطاف، فلن يبقى أثر الإعجابات والمتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، لكن ستظل قيم الإنسان ومساهمته الحقيقية وبصماته في عالم يحتاج إلى تحفيز إيجابي وبناء مستمر.
لنتذكر دائمًا أن الحقيقة الأكثر أهمية هي تلك التي تنبع من دواخلنا، وليس الشهرة الزائفة التي يمكن أن تنطفئ بسرعة أمام عواصف الحياة وتحدياتها..
ويقول علماء الاجتماع إن الشهرة تلبي الحاجة إلى تحقيق الذات، حيث يسعى الشباب من خلالها للبحث عن ذواتهم وتحقيقها، من خلال استثمار قدراتهم ومهاراتهم ليحققوا من خلالها أكبر قدر ممكن من الإنجازات في المجالات التي تتصل بميولهم واهتماماتهم، لكن المشكلة تنشأ عند عدم وجود مواهب وإنجازات حقيقية، فيلجأ البعض إلى الطرق الملتوية والاحتيال أو سلوكيات منحرفة للوصول إلى الشهرة..
ختامًا فإن السلوكيات البشريّة بشكل عام هي صحية طالما اقتربت من الوسطيّة، أمّا الغلو في السعي، مبرّر الوسائل كافة، يميل بالإنسان نحو الاضطراب. فالحاجات البشرية كما يقول عالم النفس الأميركي (ماسلو) هي طبيعيّة، ومن ضمنها الحاجة إلى التقدير. ويمضي بعدها إلى ذكر الحاجة الذاتية إلى التميّز والتفرّد، حيث تقترن حاجات تحقيق الذات اقترانًا وثيقًا بالسعي وراء الشهرة وحبّ الظهور، لكنّ السعي المستميت والتضحية بالأعراف والمبادئ الأخلاقيّة والإنسانيّة قد تخفي إحباطًا أو اضطرابًا نفسيًّا غير مشخّص بحسب «ميتش بريشتاين» أحد الباحثين البارزين في علم النفس.