تسعى المجتمعات الحضارية إلى تكريس ثقافة التطوع في أفراد المجتمع ومؤسساته، فتجدها تشجع على المشاركات التطوعية وتحث على إيجاد الفرص التطوعية وتستحدث الأنظمة الداعمة لذلك، ويجعل من ضمن عناصر المفاضلة في الفرص الوظيفية المشاركات التطوعية، وذلك استشعاراً لأهمية التطوع وثمرته على الفرد وما يعود عليه من إكسابه الخبرات الحياتية والمهارات النافعة في المجالات المتعددة، وترسيخ القيم في ذات الفرد، وتخفيف الأنانية والفردية في نفسه المؤثّرة على تفاعله مع مجتمعه ومع الآخرين.
والتطوع أداة ناعمة فاعلة في ترسيخ محبة الفرد للنفع والبذل لمجتمعه ووطنه، وتنمية شعوره بانتمائه وأهمية دوره فيه، فالفرد جزء مشارك في التنمية مساهم في التطور والازدهار لا تتم المجهودات إلا بمشاركته، ولا تسد حاجة المجتمع إلا بقيامه بدوره التطوعي.
إن التطوع فضيلة دينية وضرورة إنسانية واجتماعية ووطنية، ولهذا نجد أن الدين الإسلامي يحث المسلم على تقديم النفع للآخرين والإحسان إليهم، ويجعلها ذلك من أمارات خيرية ذلك الإنسان وفضيلته، بل إن الإسلام يرشد المسلم إلى أن يمارس التطوع ويكون إيجابياً في حياته في كل أحواله حتى لو كان الإنسان في أحلك الأوقات والظروف، ففي الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها).
لقد أضحى التطوع رافدًا اقْتِصَادِيًّا وَتَنْمَوِيًّا مُهِمًّا في الوقت الحاضر، وَيَمْثُلُ انعكاسًا للتطور الحضاري والثقافي للمجتمعات والأمم، كما أنه محرك من محركات التنمية الإنسانية والحضارية، لذلك فقد اهتمت رؤية المملكة 2030 بثقافة التطوع وجعلت من ضمن الأهداف الرئيسة فيها المحققة للتنمية المستقبلية المستدامة للوطن، ذلك أن العمل التطوعي يكسب الفرد خبرة ينعكس أثرها على سوق العمل، كما أنه يجعل المواطن شريكاً في البناء الحضاري والتنموي للوطن. ولهذا فقد فاق عدد المتطوعين في عام 2022 في المملكة العربية السعودية العدد المستهدف ضمن رؤية 2030 وهذا مشعر بالفخر بهذا التفاعل المجتمعي مع العمل التطوعي، والمأمول استدامة ثقافة التطوع في الأجيال الحاضرة والقادمة بما يعود أثره على تنمية الفرد حضاريًا ووطنيًا.