كل أساس له أصل ثابت يدرك شأنه بهيبة مجده، وامتداد تأثيره، وكل سنين تمخّض أياماً من المجابهة والعناء تطبع في التاريخ نصراً ممتداً؛ فكانت تلك السنون كنهة الترسيخ، ودربُ حقٍّ بتوضيح، ولدت من رحم الأمجاد، وراكمت الأتراح في جوف الأكباد، حتى سطع بريق السيف والعدل، وشقّ الطريق نحو الوحدة، وبذر الخير ليوم توّج الأتعاب، ومحا قصة الأغراب ليحقن الدماء، ويروي عطش الأبناء ويدوّن في صفحة الأنباء مولد تاريخ جديد ليوم التأسيس المستجل، بقصة التاريخ المستقل.
فكانت النتيجة أرضاً متدرعة بدرع الإيمان ارتكت فيه على مدى قوته بشهادة على توثقه؛ عندما تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في في 30 جمادى الثاني عام 1139هـ/ الموافق 22فبراير عام1727م بتأسيس الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية النواة الأولى، ونقطة التحول في كتابة التاريخ للدولة السعودية، ومنذ ذلك الحين كانت لحظة التغيير بتأسيس الوحدة والاستقلال السياسي، وتوثيق عرى الأمن، وبث الأمان والاستقرار والازدهار.
ثم قيام الدولة السعودية الثانية عام 1240هـ/ 1824م على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، الذي اتخذ الرياض عاصمة له، ثم سرعان ما سقطت بسبب الحروب الداخلية، ثم قيام الدولة السعودية الثالثة عام 1319هـ/1902م على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وامتدت الوحدة بتوحيد أجزاء المملكة عام 1351هـ 1932م باسم المملكة العربية السعودية حيث وحّد فيه الجهات، وقضى على الشتات، وسعى لبث روح الأمن والأمان، والبحث عن تجويد مسببات الاقتصاد، ورأب الصدع بتوحيد المناطق المتناحرة بوحدة الدين، ووحدة الصف، ووحدة الكلمة، ثم ترسخ في جذور شرايين المواطنين يوماً بارزاً للوطن يحتفى به كل عام.
وما يميز المملكة هو النصر المتتابع على مدى ثلاثة قرون بقيادة الأئمة والملوك دون استنفار فتنة، أو استعمار بقعة من أرض المملكة؛ لأنها تملك مركزاً دينياً في قلب العالم الإسلامي بوجود الحرمين الشريفين، وتنتهج الدين الإسلامي أساساً في حكمها السياسي، فامتلكت بقبضة الإحكام خطواً ثابتاً نحو الأمام، فالعدل أساس أحكامها، والشورى إمضاء لأمرها، والسيف نهاية أعدائها..
وبذلك يعدّ الاحتفاء بيوم التأسيس تنفيذاً للقرار الملكي الذي أقرّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بتاريخ 24-6-1443هـ لتوثيق اليوم التاريخي الذي يعتبر وقفة فخر، وقراءة عميقة لأكثر من ثلاثة قرون في سبر أغوار كتاب مجد البطولة الأولى وصمودها، واعتزاز بمهد الحضارة، وإرث الثقافة لكيان ثابت أساسه العدل والإيمان، ونبراسه التقوى والإحسان، وقصة أثر عظيم لتوثيق عرى الانتماء للأبطال الأوفياء من الأئمة والملوك، وإرساء تاريخ الجذور الأولى بامتداد الوحدة الوطنية التي تشكلت على يد الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-.
وإذ ترتسم ملامح اللبنة الأولى لكتابة التاريخ المجيد للدولة السعودية؛ فإن بوصلة التحول نحو الطريق الأمثل للتأسيس الأول للدولة السعودية قد ارتسم مساره في ظروف شاقة، وحياة تكالبت فيها ظروف الحرب والجوع والفقر، وترسم أمداً ممتداً من البطولات والأمجاد والاستقرار على يد الملوك أبناء الملك عبد العزيز حتى عهدنا الحاضر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ذلك العهد الزاخر بالخير والتطوير، ومعانقة السماء والتنوير برؤية 2030 نحو استشراف المستقبل بفرض سيادة المملكة إقليمياً ودولياً في كافة القطاعات والوزارات.