العقيد م. محمد بن فراج الشهري
تبرز من بين الفئات المحمية تحديداً فئة المدنيين طائفة تسعى دائماً إلى تغطية أحداث النزاع المسلح، ونقل ما يحدث في ساحتها إلى العالم الذي يهتم بالتواصل مع هذه الحروب أولاً بأول، إنها طائفة «الصحفيين» الذين أضفى عليهم القانون الدولي الإنساني صفة المدنيين بموجب نص المادة (79) من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، على الرغم من الاختلاف الجوهري بين الصحفي والمدني تجاه النزاع المسلح، حيث إن الأول يزج بنفسه في ساحة المعركة بحثاً عن الخبر، فيما يسعى الآخر إلى الهروب من ساحة المعركة بحثاً عن النجاة. فهل اتبعت السلطات الإسرائيلية المحتلة في أي من عملياتها العسكرية هذه القاعدة؟
يتضح من قراءة الواقع الأليم أنها تتجاهل هذه القواعد عمداً:
مرت الحماية الدولية للصحفيين بمرحلتين أساسيتين، كانت المرحلة الأولى هي منح الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين فقط، وترجع بدايتها إلى اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية المنعقدة في لاهاي عام 1907 . مرت هذه المرحلة بعد ذلك باتفاقية جنيف عام 1929، وانتهت باتفاقية جنيف الثالثة عام 1949، التي رأت أن الصحفيين ومراسلي الحرب يعدون ضمن الفئات التي يمكن أن ترافق الجيش دون أن تكون جزءاً منه، وأن الصحفيين المراد حمايتهم هم الصحفيون المعتمدون لدى سلطات الجيش الذي يتبعونه ويحملون بطاقة أو تصريحاً يدل على سلطات الجيش الذي يتبعونه. أما المرحلة الأخرى، فهي مرحلة منح الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين وغير المعتمدين، وكانت في ظل البروتوكول الأول المعتمد عام 1977، الخاص بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة، وفيه عُد الصحفيون الذين يمارسون مهنة خطيرة في أثناء النزاعات المسلحة كالمدنيين الذين ورد تحديدهم في المادة 50 من هذا البروتوكول.
على أية حال، من خلال هذين المطلبين، يمكننا استعراض أهم أطر الحماية المقررة لهذه الفئة، على النحو الآتي:
1 - نظام الحماية المكفولة للصحفيين والإعلاميين في مناطق الحروب والنزاعات: تكمن الحماية الدولية للصحفيين في حمايتهم من أخطار العدوان وعدهم كالمدنيين الذين لا توجه لهم ولا لأعيانهم المدنية أعمال القتال. إما إذا وقع الصحفي الأسير في قبضة أحد أطراف النزاع، وكان متمتعا بجنسية الدولة التي ألقت القبض عليه، فإنه يخضع لقانون دولته. وإذا كان الصحفي من رعايا الطرف الآخر في النزاع، فإنه يستفيد من نص المادة 4/أ 4 من الاتفاقية الثالثة لجنيف 1949 التي تثبت له وضع أسير الحرب. أما إن كان من رعايا دولة محايدة، فإنه يستفيد من قانون السلام ومن التمثيل الدبلوماسي والقنصلي لدولته أو من يمثلها.
تبرز أيضاً أهمية حماية مقرات هؤلاء الصحفيين بصفتها أعياناً مدنية ضرورية لاستمرار ممارسة الصحفيين لمهامهم في أثناء النزاعات المسلحة.
فكل تجهيزات ومرافق الإعلام التي لا تستخدم استخداماً عسكرياً، ولا تنطبق عليها الشروط المنصوص عليها في المادة 52 فقرة «2» تدخل تحت تصنيف الأعيان المدنية التي يجب ألا تكون محلاً للهجوم أو لهجمات الردع... «مادة 52 فقرة 1».
إذا كان القانون الإنساني قد أقر الحماية الدولية للأشخاص في زمن النزاعات المسلحة داخلية أو دولية فإن بعض الفئات من الأشخاص لها حماية خاصة تضمنتها التشريعات الدولية والوطنية كالجرحى والمرضى.
ويبقى الصحفيون بحاجة إلى مثل تلك الحماية القانونية الدولية، نظراً لما يتعرضون له من انتهاكات ومخاطر كبيرة نتيجة للعمليات الحربية في إطار تغطيتهم للنزاعات المسلحة، فربما وقعوا ضحايا العمليات العدائية الجارية على أرض المعارك.
إلا أن الصحفيين والإعلاميين يستفيدون من الحماية بوصفهم أشخاصاً مدنيين، لكن هذه الحماية ليست مطلقة. فالصحفي مشمول بالحماية ما دام لا يشارك مباشرة في الأعمال العدائية، إذ تزول الحماية بمجرد مشاركته في هذه الأعمال بشكل مباشر.
2 - ضمانات الحماية الدولية للصحفيين والإعلاميين في مناطق الحروب والنزاعات:
لم ترد الإشارة إلى حماية الصحفيين بشكل صريح ضمن النصوص القانونية المطبقة زمن النزاعات المسلحة غير الدولية، بيد أن المادة الثالثة المشتركة والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 يقران الحد الأدنى من الضمانات التي لا غنى عنها في الحروب والنزاعات الدولية.
من بين الضمانات المقررة لدعم دور الإعلاميين والصحفيين في أداء دورهم الإنساني ما يلي:
- حماية الحق في الحصول على المعلومات.
يقصد به تمكين الإعلامي من الوصول إلى مصادر الأخبار والمعلومات والإحصاءات والاستفسار عنها، والاطلاع على جميع الوثائق الرسمية غير المحظورة.
- حرية الإعلام، تعني قدرة الفرد والصحفي على التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية تامة، مهما تكن الوسيلة التي يستخدمها سواء أكان ذلك بالاتصال المباشر بالناس عن طريق الندوات والمؤتمرات أم بالكتابة أو بالإذاعة، أو عن طريق الوسائل التكنولوجية.
- استقلال الإعلاميين، بتبنيهم للحياد في القيام برسالتهم، سواء في نقل الأخبار والرسائل الإعلامية أو فضح الانتهاكات أياً كان مرتكبها، والبعد عن استخدام أسلوب الحشد المصطنع وتوجيه الرأي العام بطريق مزور لإرادته الحقيقية.
من بين الضمانات: الحماية الجنائية، والحماية المدنية لرجال الإعلام، والأعيان الإعلامية في القانون الدولي الإنساني، سواء في وقت السلم أو زمن الحرب.
تجب الإشارة إلى أن الاتفاقيات الدولية التي تعرضت لحماية الصحفيين خلت من أي تعريف للصحفي، حيث لم تعرف اللوائح الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية الملحقة باتفاقيتي لاهاي لعام 1899 و1907 مراسلي الصحف الذين يرافقون القوات المسلحة والمنصوص عليهم في المادة 13. كما نصت المادة 81 من اتفاقية جنيف لعام 1929 على المراسل الحربي، من دون أن تعطى تعريفاً له، شأنها شأن الاتفاقيتين السابقتين، ما يستوجب توصية المجتمع الدولي بأن يستأنف العمل في العودة إلى فكرة «الاتفاقية الدولية لحماية الصحفيين»، خاصة أن النص القائم يكتنفه بعض الغموض والقصور، خاصة حول مفهوم الصحفي.