اختص الله عز وجل بعض الأزمنة والأمكنة والأشخاص بمزيد من الفضل والبركة، ذلك أن أصل الاختيار أو التفضيل والتخصيص، من الأشخاص والأزمنة والأمكنة، هو اصطفاء من الله تعالى، فقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (القصص: 68).
لقد اتصلت الأرض بالسماء في شهر رمضان بأول خيط من النور، ومست وجهها أولى قطرات الوحي المبارك، ففيه أنزل القرآن الكريم، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (سورة البقرة: 185).
والله عز وجل يجزي عباده بحسب كرمه، مما لا يضبطه عدٌّ ولا حصر؛ ولذا قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يارسول الله مرني بعمل، قال: (عليك بالصوم فإنه لا عدل له) صحيح النسائي.
والصوم برهان عملي على أن المسلم يفضل حب الله تعالى على شهوات الدنيا ومغرياتها، فالصائم يجد طعامه في بيته، وليس معه أحد فيمتنع عن تناوله، لا خوفاً من الناس، ولكن خوفاً من الله؛ الذي يراقبه ويراه، وهذه الرقابة لا تعادلها رقابة أخرى.
ومن خلال الإحساس بألم الجوع والعطش، يتحرك القلب لتذكر الجائعين، وتفقد المعوزين من الفقراء وذوي الحاجة، فتتعود النفس الرحمة والسماحة والإحسان، وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهي ليلة مباركة، يتجلى الله فيها على عباده بالرحمة والرضوان والمغفرة، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 3).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) البخاري.
كذلك فإن الصيام المستوفي للقواعد الصحية يريح جهاز الهضم من عمله الدائم، ويفيد في علاج العديد من الأمراض، كالسكري والسمنة، وحسبك دليلاً على فائدة الصيام الصحية، تلك الحمية التي يفرضها الأطباء على المرضى ويجعلونها رأس كل دواء. فشهر رمضان قصير بعدد الأيام، عظيم بعمل الطاعات، كريم بالإحسان والعطاء، لا يحتمل منا التقصير، ولله در الإسلام من دين حكيم وعظيم، يجمع للناس في أحكامه وتشريعاته بين مصالح الجسد ومصالح الروح، بين خيرَيْ الدنيا والآخرة.