د. محمد بن أحمد غروي
يشير مفهوم التعددية الثقافية إلى جوانب عدة وتختلف تعريفاته، إذ يصف علم الإنثروبولوجيا مفهوم التعددية للدلالة على جماعات تختلف أنماط الحياة لدى كل منها اختلافًا شاسعًا عن غيرها، بينما في مجال العلوم السياسية يدل على جماعات ذات فروقات ومميزات ملحوظة تعيش في مناطق جغرافية محددة، وتشكل هذه المميزات الملحوظة قاعدة لقوتها السياسية، أما في علم الاجتماع فهي رغبة جماعات للمحافظة على أوجه الشبه فيما بين أفرادها في الصفات والقيم والمعتقدات المشتركة، إذ تشكل مصدرًا شعوريًا للأفراد بالفخر والثقة بالنفس.
كما وتشكل التعددية ركنًا أساسيًا لدول آسيان، إذ تتميز جنوب شرق آسيا بتعدديتها الدينية والعرقية، مما أثراها ثقافيًا، وموطنًا للعديد من الشعوب من ذوي الخلفيات الثقافية المتعددة، فأضحت موطنًا لعشرات المجموعات العرقية المختلفة، ولكل منها لغاتها وثقافاتها وأنماط ملابسها المميزة، وينسحب ذلك على أنظمتها الخاصة بها في المعتقدات والممارسات الدينية أيضًا.
بشكل عام تسمح معظم الدول القومية في جنوب شرق آسيا بحرية العبادة وتعترف بالتنوع العرقي بدرجات متفاوتة، ورغم التعددية الدينية والثقافية التي تميز جنوب شرق آسيا، فإن هذه الدول تتشارك في عدد من القيم والعادات العامة، فهناك ميل آسيوي لوحدة الفرد مع أسرته التي تشكل قيمة عالية وقوية ودائمة.
بحسب مؤشر التنوع الديني، فإن نصف الدول الأكثر تنوعًا دينيًا في العالم بآسيا، ومع أن ذلك الاختلاف الديني مرهون ببعض التحديات الاجتماعية، إلا أن هناك أيضًا العديد من الشواهد على التمازج الاجتماعي رغم اختلاف الأديان، والتعاون المشترك في بعض القضايا، والمناقشة السلمية.
تاريخيًا لا يمثل التنوع الديني في المنطقة أمرًا جديدًا، لقد اختلطت الأديان المختلفة وتداولت منذ فترة طويلة، فقد تركت موجات إرساء الثقافة الهندية والإضفاء الطابع الصيني، ناهيك عن الاستعمار ووصول الإسلام والبوذية، بصمة عميقة على المنطقة، ومن خلال هذا التنوع تم الحفاظ على التسامح النسبي؛ لتمكين التجارة، وبسبب الجغرافيا المتناثرة بشكل طبيعي في جنوب شرق آسيا، كان هذا حتى النصف الأول من القرن العشرين، عندما اتحدت الحركات الدينية معًا لمعارضة القوى الاستعمارية.
ومن الملاحظ أن التقارب بين الثقافات المتنوعة في تشكيل مجتمع آسيان النابض بالحياة، ولعب الحفاظ على التراث الثقافي والعادات وتعزيزها دورًا مهمًا في خلق الهوية الفريدة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، وضمان التنمية المستدامة والرخاء لكل أعضاء الرابطة.
ولعل السمة المشتركة الأبرز لمجتمع الآسيان من حيث الثقافة هي الأساس المشترك للحضارة، كما أدت التضاريس الجغرافية والمناخ الحار والرطب لمنطقة الآسيان إلى تشابه في طرق الأكل والمعيشة والتواصل الاجتماعي بين الناس في هذه المنطقة.
سنغافورة المثال الأبرز والأكثر قبولًا للتعددية الدينية والثقافية من بين دول آسيان، حيث أظهر استطلاع حديث أن السنغافوريين من جميع الأديان متسامحون على نطاق واسع وأكثر قبولاً لأتباع الديانات المختلفة، مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، وقال ما يقرب تسعة من كل 10 سنغافوريين إن الإسلام والمسيحية والهندوسية والديانات التقليدية الصينية والمعتقدات المحلية متوافقة مع ثقافة الجمهورية وقيمها، وكان من بين المشاركين أولئك الذين ينتمون إلى ديانات مختلفة، فضلاً عن غير المنتمين دينياً.