تُثار العديد من الأسئلة من قبل معارفي حول انحصار كتاباتي حول المملكة العربية السعودية، وبالأخص حول رؤيتها الطموحة لعام 2030. ثم، ولا سيما وأنت لست سعودياً؟
فأتبسم ضاحكاً، ويأتي ردي هادئاً هل تحتاج الكتابة عن شيء تحبه أن يكون انتماؤك له بالضرورة حسب شهادة الميلاد؟
فلنعِد صياغة السؤال ليبدو أكثر وضوحاً: لماذا يتجاوز اهتمامي حدود الجنسية؟
نعم لست سعودياً، ولكن ككل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها نعشق هذه الأرض المباركة، كيف لا وهي مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين.
أما تركيزي في الكتابة عن المملكة العربية السعودية فيأتي من سببين رئيسين، أولهما، إحساس «المقيم» الانتماء لهذا البلد العظيم.
وثانيهما، تلك الرؤية العملاقة التي فجرت بدواخلي فيوضاً متباينة من التأمل والترقب والأمل، وكثير إشفاف وقبل كل ذاك إيمان كامل بأنها وضعت لهدف يعتبر هو المخرج الطموح للتغير والتحول والريادة، وقد جعلتني أغوص في أضابيرها لأستكشف سر هذه النهضة التي تجسدت ونمت وصارت ملء السمع والبصر.
أعتقد يُعتبر هذا تركيزاً مشروعاً، حيث أتاح لي فهماً أعمق للتحديات والفرص التي واجهت المملكة عبر رؤيتها الإستراتيجية للتحول الوطني.
فهذه الأرض الطيبة جمعت بين التاريخ العريق والتحولات الحديثة، وازدهرت في أحضانها الحضارات. لكن هذه الأرض ليست مجرد متحف للماضي، بل هي ساحة للتحول والتطور.
ألا يكفي ذلك ليكون حافزاً إضافياً للاهتمام بها والكتابة عنها؟ ألا تستحق هذه الرؤية أن نحملها كنبراس نضئ به عتمات واقعنا العربي والإسلامي لنهتدي بها ونستفيد من مثل هكذا تخطيط محكم وترتيب للأولويات ونبدأ في حصد ثمار صبرنا وعملنا المخلص الدؤوب؟
ثماني سنوات منذ بداية الرحلة، رحلة التغيير والتحول، سنوات شهدت تحقيق تحول شامل في كافة المجالات، وتجاوزت الحدود الزمنية والجغرافية، وامتدت من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، حققت فيها وقبل اكتمال نصابها إنجازات تتجاوز حدود المستحيل والأرقام تتحدث عن وعودٍ كبيرة في تنويع الاقتصاد، وتطوير التعليم، تعزيز الابتكار، والحفاظ على البيئة.
سنوات أيقظت الشباب من غفلاتهم وجعلتهم المحرك الأساسي لهذا الحراك الضخم شاركوا بقوة وبرغبة على التغيير والتحول وأصبحوا جزءاً من تاريخ عظيم يُكتب بأيديهم.
سنوات جعلت كل مكونات المجتمع يساهمون في تحقيق هذه الرؤية، وفي هذا التحول الشامل. نجحوا في تجاوز التحديات واستفادوا من الفرص، وآمنوا دائماً بأن الرؤية قابلة للتحقيق.
حيث يعتبر الشباب، الجيل الذي حمل مشعل التحول وقاد السعودية نحو تحقيق رؤيتها. إنهم ليسوا مجرد مستقبل، بل هم جزء من الحاضر. بعد أن تشبعوا من حكمة الشيوخ ونظرتهم الثاقبة للحياة فكان دورهم فعّالاً في صياغة السياسات.
فهل كان يتم ذلك دون أن يكون للتعليم والتوعية دورٌ فارغٌا في بناء الوعي الوطني؟
فكان للسياسات التعليمية والتوعوية جزءٌ أساسيٌّ من تفاعل الشعب مع الرؤية عرف المواطنون أهمية الرؤية وكيف يمكن لكل فرد أن يساهم في تحقيقها. فكانت المدارس والجامعات مراكز لنشر الوعي وتعزيز الانتماء الوطني.
إن تحقيق الرؤية تطلب تضافر جهود الحكومة والمجتمع فأنتج ذلك تفاعلاً فعّالاً بين المؤسسات والأفراد فظهرت المبادرات المجتمعية والشراكات الاجتماعية كوسيلة لتحقيق أهداف الرؤية.
واجهت السعودية بالتأكيد العديد من التحديات المتعددة في تحقيق رؤيتها، ولكن احتفاظها بالإيمان بأن الرؤية قابلة للتحقيق هوّنت من مشقة الرحلة الطويلة بمزيد من الصبر والعمل، فكان لها بفضل الله وقوته ما أرادت في منتصف الرحلة.
فها هي سفينة الصحراء تمضي بقوة وثبات وسنامها ممتلئ بدهن الإصرار ولن تتوقف مسيرتها إلا عند وصولها إلى خط 2030.
وتظل الرؤية الطموحة للمملكة العربية السعودية تشكل نبراساً للأمة العربية والإسلامية. لأنها ليست مجرد خطة على الورق، بل هي تحول حقيقي يشكل مستقبلاً أفضل للجميع.
دعونا الآن نفكر معاً: كيف يمكن لكل منا أن يساهم في تحقيق رؤيته الشخصية؟ ما هي الخطوات التي يمكن أن نتخذها لبناء مستقبل أفضل لأنفسنا وللمجتمع؟
فلنكن جزءاً من هذا التحول، ولنبني مستقبلاً يليق بتطلعاتنا وبتاريخ هذه الأرض العظيمة.
وأختم بأبيات صفي الدين الحلي:
لا يَمتَطي المَجدَ مَن لَم يَركَبِ الخَطَرا
وَلا يَنالُ العُلى مَن قَدَّمَ الحَذَرا
وَمَن أَرادَ العُلى عَفواً بِلا تَعَبٍ
قَضى وَلَم يَقضِ مِن إِدراكِها وَطَرا
لا بُدَّ لِلشَهدِ مِن نَحلٍ يُمَنِّعُهُ
لا يَجتَني النَفعَ مَن لَم يَعمَلِ الضَرَرا
لا يُبلَغُ السُؤلُ إِلّا بَعدَ مُؤلَمَةٍ
وَلا يَتِمُّ المُنى إِلّا لِمَن صَبَرا
وَأَحزَمُ الناسِ مَن لَو ماتَ مِن ظَمَإٍ
لا يَقرَبُ الوِردَ حَتّى يَعرِفَ الصَدَرا
وَأَغزَرُ الناسِ عَقلاً مَن إِذا نَظَرَت
عَيناهُ أَمراً غَدا بِالغَيرِ مُعتَبِراً