امرؤ القيس بن حُجر بن الحارث بن عمرو المقصور بن حُجر آكل المرار الكندي الملك الضِّلِّيل، ذو القروح، شاعر جاهلي ورأس الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين الفحول، وأول شعراء المعلقات، بل إن معلقته التي مطلعها:
قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزِلِ
بسِقطِ اللِّوى بين الدَّخولِ فحومَلِ
تُعد أشهر المعلقات الشعرية، حتى قيل في المثل: «أشهر من قِفا نبكِ». كان أبوه وأعمامه ملوكًا على بعض أحياء العرب وأجداده ملوك كندة في الجزيرة العربية.
ولد امرؤ القيس في نجد ونشأ فيها وترعرع في ديار بني أسد الذين كان أبوه «حُجر» ملكًا عليهم، وتحديدًا ولد في «بطن عاقل»، يقول ابن الكلبي: «عاقل جبل كان يسكنه الحارث بن آكل المرار جد امرئ القيس بن حُجر بن الحارث» وقيل: وادٍ من دون بطن الرُّمة، ويقع بطن عاقل جنوب شرق مدينة الرس الآن وسط الجزيرة العربية، حيث تفيد الروايات التاريخية وأشعار الجاهليين أن «بطن عاقل» هو مقام ومُلك الحارث بن عمرو بن حُجر آكل المرار ملك مملكة كندة، وجد امرئ القيس، كما أن بطن عاقل تاريخيًا من بلاد بني أسد الذي نشأ امرؤ القيس عندهم وكان أبوه حُجر بن الحارث ملكًا عليهم هم وغطفان. واستوطن «بطن عاقل» الحارث بن عمرو المقصور بن حُجر آكل المرار زمنًا طويلًا وهو جد امرئ القيس، وكان مقر مملكته به، يقول لبيد بن ربيعة العامري:
والحَارِثُ الحَرَّابُ خَلَّى عَاقِلًا
دَارًا أَقَامَ بِهَا وَلَمْ يَتَنَقَّلِ
تَجْرِي خَزَائِنُهُ عَلَى مَنْ نَابَهُ
مَجْرَى الفراتِ عَلَى فِرَاضِ الجَدْوَلِ
حَتَى تَحَمَّلَ أهْلُهُ وَقَطِيْنُهُ
وَأَقَامَ سَيِّدُهُمْ وَلَمْ يَتَحَمَّلِ
سبق امرؤ القيس في الشعر العربي إلى أشياء ابتدعها فاستحسنها العرب وساروا عليها من بعده، واتّبعه فيها الشعراء، فكان امرؤ القيس أول من استوقف الصحب، وأول من وقف على الأطلال واستوقف، وبكى واستبكى، وأول من قيَّدَ الأوابد (الطرائد):
وقدْ اغتدِي والطيرُ في وُكُنَاتِهَا
بمنجردٍ قَيْدِ الأَوَابِدِ هَيْكَلِ
وأول من شبّه النساء بالظباء وبالبيض:
وبيضةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤُها
تمتَعْتُ من لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجِلِ
وأول من شبّه الخيل بالعقبان والعصيّ والحجر والصخر، وشبّه النجوم والثريا بالوشاح والعِقد، وكذلك ابتدع رقة الغزل، ولطف النسيب، وقُرب المأخذ، وأجاد وأبدع في وصفه وتشبيهاته واستعاراته جدًا. وفي هذه المرحلة من شعره؛ نجد أن شعره مليء باقتناص الملذات، وفي التغزُّل بالمرأة واللهو معها، وبالاستمتاع بركوب الخيل والصيد عليها، وبتأمُّل مناظر الطبيعة والنجوم والبروق والأمطار والسيول، وبروعة التأمل والوصف العجيب.
وبقي شعره على هذا النمط حتى مقتل أبيه حُجر ملك أسد وغطفان، وبعد مقتل والده علت شعره روح الحزن والألم العميقين، فسعى للأخذ بثأر أبيه وأخذ يستنهض القبائل لذلك، ووفد على الملوك وارتحل في أسفارٍ طويلة نحو تحقيق ثأره وعودة ملكه.
تميّز شعر امرئ القيس بأسلوبه الشخصي، فجاء شعره متميز الطابع بروحه وأسلوبه، ففتح كنوز الشعر ومغاليقه لمن جاء بعده من الشعراء، وأرشدهم إلى أغراض الشعر وفنونه وصياغته ومجازه، فاقتفوا أثره وترسّموه وساروا على طريقته عصورًا وقرونًا طوالًا، يفتتحون قصائدهم بالطلل والبكاء عليها ويقلدون أسلوبه، حتى ظهرت صورة امرئ القيس في أشعارهم وفرائدهم، ولم يسلم من ذلك حتى المجددون منهم في العصر العباسي كبشار وأبي نواس ومسلم بن الوليد وغيرهم، فقد ساروا على هديه – برغبة أو بغير رغبة - في الكثير من السنن الشعرية، وظهرت صورته في أشعارهم ومقطوعاتهم جلية للعيان.
ومما يميّز شعر امرئ القيس وصفه الفريد، فهو يصف المرأة وصفًا شاملًا، وكذلك الفرس والصيد والأرض والبرق والمطر والنجوم والطبيعة، ولا يألو جهدًا في الإغراق في دقائق هذا الوصف والإتيان بتشبيهات فريدة وعجيبة في سبيل هذا الوصف، ومنها قوله عندما شبه الفرس بالصخر:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معًا
كجلمودِ صخرٍ حطَّهُ السيلُ من عَلِ
فهو يعاود الكر والفر والإقبال والإدبار معًا بالقوة نفسها، وسريع قوي كالصخر الأصم الصلب الذي أرداه السيل من الأعلى.
ومن تشبيهاته الفريدة قوله:
وتعطُو بِرَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنهُ
أَسَارِيْعُ ظَبْيٍ أو مَسَاوِيْكُ إِسْحِلِ
فهو يشبه أصابع المحبوبة البيضاء ولون رؤوس بنانها المائلة للحمرة بالأساريع، وهي دود صغار بيضاء في رأسها حُمرة. أو كمساويك شجر الإسحل وهو شجر يُستاك بأعواده كالأراك.
ومن تشبيهاته العجيبة التي تُذهل العقل، قوله وهو يصف صوت سرعة جري الفرس:
دَريرٍ كَخُذْرُوفِ الوَليدِ أَمَرَّهُ
تَقَلُّبُ كَفَّيْهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ
درير أي مُستدر في العدو، ثم يشبّه صوت سرعة جري الفرس وهو مُنصبّ في العدو بصوت «خُذروف الوليد»، و»الخذروف»: هو «الخرَّارة» وهي لعبة قديمة للصبيان من أخشاب وبها حبل يخترقها، يلعب بها الوليد بيديه، حيث يشد حبلها بيديه وبسرعة فتسمع لها صوتًا: خَرَّخَرَّ، ثم تعود حالتها الأولى، ويشدها مرة أخرى وهكذا، فيُسمع لها صوت في كل سحبة، وهذه الأصوات المتتابعة السريعة لكل سحبة - لكون الخيط «موصًّل» من كثرة ما ينقطع ويصلونه له فيقصر خيطها وتتسارع أصواتها- تشبه صوت حوافر الفرس في الجري السريع: خَرّخَرّ..خَرّخَرّ..خَرّخَرّ! وهكذا.
كما تميّز شعر امرئ القيس بالقصص، فقد استخدم الفن القصصي في أشعاره وفي وصفه وأغراضه بشكل يطرب السامع ويُعمل العقل والخيال في المُتلقِّي بشكل بديع.
قاسى امرؤ القيس كثيرًا من مصاعب الحياة وتغيّر الزمان بعد مقتل أبيه، فقد أنهكته الأسفار والارتحال، واندفع للثأر لأبيه وجمع الجموع من مُذحج وحِمْيَر، فأوقع ببني أسد وأخذ يثأر منهم وقيل ذبح سيدهم الأشقر بن عمرو الأسدي وشرب بقحف رأسه، والتجأ بعضهم إلى ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء. وقال امرؤ القيس بعد ما ظفر ببني أسد:
قُولا لِدُودَانَ عَبِيْدِ العَصَا
مَا غَرَّكُمْ بِالأَسَدِ البَاسِلِ
قَدْ قَرَّتِ العَيْنَانِ مِنْ مَالِكٍ
وَمِنْ بَنِي عَمْرٍو وَمِنْ كَاهِلِ
ثم أطال في ثأره فسئم من معه، وسعى بعدها لاستعادة ملك أبيه وأجداده فملّ أنصاره وتفرقوا عنه، وانقلب عليه الزمان وتبدّلت الأحوال عليه، فهذا ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء يؤلب عليه القبائل. واستصعب على امرئ القيس طريقه ومبتغاه في خضم هذه الظروف الصعبة، وأكثر السفر والترحال في سبيل قضيته.
وتقول الروايات والمصادر إنه في سبيل استعادة ملكه اتصل امرؤ القيس بإمبراطور الروم، وسار له في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية حينذاك، فأكرمه الإمبراطور ووعده بالنصرة، ولكن في طريق عودته مرض بالجدري قرب «أنقرة»، ثم ما لبث أن مات ودفن بها. وقال لما حضرته الوفاة ينعى نفسه في هذا المكان:
كمْ طعنةٍ مُثْعَنْجِرَةْ
وخُطبةٍ مُسْحَنْفِرَةْ
وَجَفنَةٍ مُتَحَيِّرَة
قدْ غُودرتْ في أَنْقَرَةْ
(مثعنجرة: يسيل منها الدم بكثرة، مسحنفرة: أي مُسهبة واسعة، متحيرة: ممتلئة طعامًا ودَسَمًا).
وجاء ذكر الشاعر العربي امرئ القيس في عدد من الوثائق، وتواترت أخبار أسباب موته واختلطت، وظهر المشككون بها والمؤيدون لها، وعلى كلٍ فقد أورد فؤاد البستاني مستندًا إلى ما ذكره «لويس شيخو» وغيره نقلًا عن مؤرخي الروم بأن امرأ القيس كان في بلاط قيصر حوالي سنة 533م، وأورد «لويس شيخو» صاحب كتاب «شعراء النصرانية قبل الإسلام» أن امرأ القيس جاء ذكره في تواريخ الروم، مثل ما جاء عند «نونوز» و»بركوب»، وغيرهما، وذكر «نونوز» المؤرخ أن امرأ القيس سار إلى القسطنطينية عاصمة الروم وقابل القيصر «جستينيان»، وطلب منه النجدة على المنذر ملك الحيرة الذي ألّب القبائل عليه، فوعده بالنجدة لاستعادة ملك أبيه، وذُكر أن «جستينيان الأول» حكم بيزنطة بين عامي 527م حتى مات في 565م، ثم إن امرأ القيس عاد إلى بلاده من «القسطنطينية» عاصمة الروم (إمبراطورية بيزنطة)، فتوفي في طريق عودته جراء إصابته بالجدري في «أنقرة»، ويضيف شيخو أيضًا: وذُكر في كتاب قديم مخطوط أن ملك القسطنطينية لما بلغته وفاة امرئ القيس، أمر بأن يُنحت له تمثال، وأن يُنصب على ضريحه، ففعلوا.
وسبب وفاته فيه خلاف، أكان من القيصر، أم من مرض الجدري وهو الأرجح لدي، لأن القيصر لو كان أراد قتله لفعل وهو عنده، ولما أمر ببناء التمثال على ضريحه بأنقرة بعد وفاته، كما أن قصة الطمّاح الأسدي وسهولة وصوله للقيصر، ومن ثم استماعه له وتصديقه.. فيها صعوبة، وأظن أن قصة «حلة الوشي» كلها منحولة، كما أن مؤرخي الروم لا يشيرون إلى شيء مما تناقلته كتب الأدب العربي عن قصة امرئ القيس وابنة قيصر وهيامه بها وكتابة الشعر فيها ولا أي شيء عن الحلة المسمومة، أضف إلى ذلك أن امرأ القيس «ذا القروح» ذكر في أشعاره مرضًا يعاوده بين فينة وأخرى، يقول:
تَأَوَّبَنِي دَائِي القَديمُ فَغَلَّسَا
أُحَاذِرُ أَنْ يَرتَدَّ دَائِي فَأُنْكَسَا
وعلى كل حال، ذُكِرَ أن الإمبراطور البيزنطي أمر ببناء تمثال على ضريحه على تلّة جنوب شرقي «أنقرة» تسمى «تلة حضرليك»أو»هيديرليك»، وبقي قائمًا هذا التمثال حتى شاهده المأمون (ت216هـ/831م) عندما مر هناك لما دخل بلاد الروم غازيًا الصائفة كما ذكر ابن العديم المؤرخ والزوزني شارح المعلقات. وجاء في كتاب «الروض المعطار» للحميري: «أن المأمون قال: مررت بأنقرة فرأيت صورة امرئ القيس، فإذا هو رجل مكلثم (مستدير) الوجه، وكانت الروم اتخذت صورة امرئ القيس بأنقرة كتمثال فوق قبره، كما يفعلونه بمن يعظّمون». مما يعني أن هذا التمثال يتكون من مجسّم لرأسه ووجهه وهامته وربما يعتمر عمامة أو خوذة.
وأورد حسن السُّندوبي الذي حقق ديوان امرئ القيس عن معجم المطبوعات ليوسف سركيس أن أحد أصدقائه ممن أقام زمنًا طويلًا بأنقرة للتجارة، أخبره أنه رأى بقية هذا التمثال لا تزال قائمة بأنقرة قرب دار السراي، وهذه البقية عبارة عن «الهامة» فقط وذلك عام 1895م. تلك البقية من التمثال التي ظلت موجودة إلى سنة 1930م فوق هذه التلة (تلة حضرليك) المطلة على أنقرة. ولبقية هذا التمثال صور فوتوغرافية عديدة منتشرة ومشهورة لأنها بقيت لبداية القرن العشرين.
عدّ محمد بن سلّام الجمحي صاحب طبقات فحول الشعراء امرأ القيس رأس الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين. ومما يروى من آراء القدماء والمهتمين بالشعر، ذلك القول المشهور عند العرب أن «أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب».
وسأل العباس بن عبد المطلب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن أشعر الناس فقال: امرؤ القيس سابقهم، خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معانٍ عُورٍ أصحَّ بصر» (العمدة للقيرواني). وقال فيه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «رأيت امرأ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة وأنه لم يقل لرغبة ولا رهبة». وسُئل لبيد بن ربيعة العامري عن أشعر الناس فقال: «الملك الضلِّيل، قيل ثم من؟ قال: فالغلام القتيل (يعني طرفة)، قيل: ثم من؟ قال: أبو عقيل (يعني نفسه)». (العمدة).
وفي الأمالي للقالي أن جريرًا سُئل عن امرئ القيس فقال: «اتخذ الخبيث الشعر نعلين يطؤهما كيف شاء»، أي من شدّة تمكنه من الشعر وقدرته عليه.
وحكى ابن سلّام أن سائلًا سأل الفرزدق: «من أشعر الناس يا أبا فراس؟ فقال: ذو القروح». وقال أيضًا: «إن الشعر كان جملًا بازلًا عظيمًا فنُحر، فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، وعمرو بن كلثوم سنامه، وزهير كاهله، والأعشى والنابغة فخذيه، وطرفة ولبيد كركرته (زَوْرُه/ باطن صدره)، ولم يبق إلا الذراع والبطن فتوزّعناهما بيننا».
وجاء في العمدة للقيرواني أن أبا عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى اللغوي قال: «فُتح الشعر بامرئ القيس، وخُتم بذي الرُّمَّة». وقال أبو عبيدة أيضًا: «أشعر الناس أهل الوبر خاصة، وهم امرؤ القيس وزهير والنابغة». وقال أبو زيد الخطابي: «القول عندنا ما قال أبو عبيدة: أشعر الناس امرؤ القيس ثم زهير والنابغة، والأعشى، ولبيد، وعمرو بن كلثوم، وطرفة!».
وكتب الحجاج بن يوسف إلى قتيبة بن مسلم الباهلي يسأله عن أشعر الشعراء في الجاهلية، فقال: أشعر الجاهلية امرؤ القيس.
وقال أبو هلال العسكري: «أئمة الشعر أربعة: امرؤ القيس والنابغة وزهير والأعشى».
وقال يونس بن حبيب: «كان علماء البصرة يقدّمون امرأ القيس». وقال الأصمعي: سألت بشارًا (أي ابن بُرد): من أشعر الناس؟ فقال: «أجمع أهل البصرة على امرئ القيس وطرفة».
تُرجِمَ شعر امرئ القيس إلى اللغات العالمية المختلفة ومنها اللاتينية والإنجليزية والسويدية والفرنسية والألمانية والروسية والإسبانية وغيرها، وتحدثت الدراسات والبحوث العالمية عنه وعن شعره كثيرًا، وأعجب به وبشعره الكثير من الشعراء والأدباء والفلاسفة الغربيين ومنهم الفيلسوف الألماني «يوهان غوته» الذي أُعجب بامرئ القيس وبمعلقته، وتناوله ودرسه كثيرًا، وأصدر «غوته» ديوانه الشعري الذي أسماه «الديوان الشرقي الغربي» الذي تأثر به بالشعر الجاهلي وخاصة شعر امرئ القيس، وحتى اسم «الديوان» فيه مستلهم من مقولة «ديوان الشعر» العربية، تأثر «غوته» في «الديوان الشرقي الغربي» بالشعر الجاهلي وشعر امرئ القيس وخاصة المعلقة التي تأثر بها في قصيدته التي تقول: «دعوني أبكي محاطًا بالليل، في الفلوات الشاسعة بغير حدود». ولسان حال «غوته» يقول: آهٍ يا امرأ القيس، آهٍ أيها الملك الضِّلِّيل، لقد كنت أنت أول من وقف واستوقف، وبكى واستبكى على الأطلال، وفي الفلوات، وقد أبكيت العرب والغرب بعدك بلا حدود.. وتبعوا نهجك وتأثروا بك عربهم وعجمهم!
ذلك كله يظهر الاهتمام العالمي الكبير بشخصية شعرية عربية نادرة كان لها أعمق الأثر في الشعر والأدب العربي والعالمي، شخصية شاعر عده الكثيرون رأس الشعر العربي، وأمير من أمراء الشعر وأمراء العرب.
هذا هو شاعر العرب امرؤ القيس الذي سنَّ سنن الشعر لمن جاء بعده، فاقتفوا أثره وقلدوه وعدُّوه مثالًا يحتذى به في قمة الشعر وعنفوانه، وهكذا نجد أن امرأ القيس في رأي الكثير من المهتمين والنقاد والباحثين في أول مقدمة شعراء الطبقة الأولى الجاهليين، وأكثرهم شهرة، وأسبقهم إلى الاختراع والابتكار والريادة في عالم الشعر العربي، وأول من فلق صخرة الشعر، فتبعه الشعراء خيلًا وركبانًا ورجالًا، فكان بحق نادرة أدبية وقطعة ثمينة سارت بأخباره وأشعاره الركبان، واقتفت سننه الأمم وأدباؤها، شغل العرب والعجم والروم والترك حيًا وميتًا، ولا زال يُدرس ويُبحث ويُنشد خالدًا مخلَّدًا في أذهان أجيال وأجيال، على مر العصور والقرون ، خالدًا كخلود الشعر، فليفخر العرب بشاعرهم المؤسس لضروب شعرهم وأركان نظمهم وروعة قريضهم وسنن نشيدهم، امرئ القيس، رأس الشعر العربي.
** **
د. ساير الشمري - دكتوراه في الأدب والنقد