لاشك أن عملية التفكير الإنساني تعد مصدراً مهماً من مصادر العلم.. والعلم بالطبع مصدر لتعديل سلوك الفرد وتنمية اتجاهاته الفكرية والإبداعية والقيمية والاجتماعية والإنتاجية.. وحتى يأتي التفكير ويجني ثماره من أرضيته الخصبة.. فلا بد من استثارته وهذه الاستثارة تأتي -كيميائياً- بأساليب وطرق متعددة، ومن أهمها وأبرزها (التساؤل) والسؤال -لا مناص- باب من «أبواب المعرفة» كما يقول زعيم العباقرة في زمانه العالم الفيزيائي آينشتاين..! والسؤال بالنسبة للعقل البشري هو الذي يحفز عملية التفكير فلا يوجد علم ولا يوجد فلسفة ظهرت في عصر من العصور بدون أن تبدأ (بسؤال) حتى لوكان بسيطاً جداً ويراه البعض تافهاً..!! فالسؤال دائماً ما يولد الأفكار ويولد حب المعرفة لدى الإنسان. خاصة أن العقل البشري لا يتسع لكثير من المعارف.. ولذلك برزت أهمية التساؤل في العلوم كافة وتراثها المتراكم.
في مسيرة تاريخ العلماء والمفكرين والفلاسفة في العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية نجد أن الركيزة الأساس في بحوثهم الجادة ودراساتهم العلمية وأعمالهم الخالدة التي كانت تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة وإلى الإجابة الواضحة التي كانوا يسعون من خلال الإجابة وبناء الآراء والملاحظات.. إطفاء شكوكهم بماء اليقين، بالطبع كانت تنطلق من منصة (التساؤل)..!! ولذلك يقول الأديب الشهير الموسوعي الجاحظ (الشك طريق اليقين).
فمعظم قوانين الجاذبية التي غيرت التاريخ.. بدأت بسؤال العالم الفيزيائي (نيوتن) المشهور.. لماذا سقطت التفاحة على رأسه..؟!! التي فجرت طاقته الفكرية الكامنة وحركت شجونه العلمي لاكتشاف القوانين..؟! ولربما أن سقوط التفاحة أمر عادي يراه البعض كل يوم..! وهذا الفرق بين الإنسان العادي، والرجل المفكر العبقري..! وأيضاً لولا التساؤل لما اكتشف العالم الشهير آينشتاين قانون النسبية في الفيزياء.. فالسؤال هنا هو المحرك للفضاء الفكري والإبداعي. فالعباقرة والعلماء والمفكرون لا يوجد في قاموسهم الإنتاجي والابتكاري شيء اسمه (عادي)..!! بل لكل شيء وجد لسبب وقائم على منهج التفكير الذي يولد الأفكار، وينمي الوعي الادراكي، ويوسع الخيال العلمي ويجعل الفرد بالتالي نافذاً على جميع أسرار البيئة المحيطة به.. ومهما كانت مكانة العلم والمعرفة فلا يمكن أضعاف دور التساؤل وغاياته في اكتساب المعرفة والبحث عن المعلومة والحصول على الحقيقة. ولأهمية التساؤل وتمجّده الذي يعد من مرتكزات العقلية العلمية المبدعة، جاء ديننا الإسلامي القويم الذي يقوم على «مبدأ الوسطية» ليؤكد مشروعية السؤال، بل وأهميته القصوى كمنهجية في التفكير الإبداعي.
ولذلك علينا أن نربّي أبناءنا الطلاب والطالبات على مهارة «الفضول العلمي الموضوعي» القائم على «التساؤل والشك» بحثاً عن الحقيقة وإخلاصاً لها وهذه أولى خطوات المنهجية العلمية في التفكير الإنتاجي والإبداعي، وأخيراً تذكر -أخي القارئ الكريم- أن كل الابتكارات والاختراعات بدأت (بسؤال). وكما يقول العالم برنارد باروخ. (شهد الملايين سقوط التفاحة لكن نيوتن بعبقريته لم يشعر بألم سقوط التفاحة على رأسه..!! أو قام وأكل التفاحة ورجع ونام..!! لكن سأل لماذا..؟!
فما أروع أن تقوم المؤسسات التعليمية في مجتمعنا الفتي التي تمثل ثاني أهم مؤسسة بنائية من مؤسسات التنشئة الاجتماعية بعد الأسرة.. بتشجيع الطلبة على (دهشة التساؤل).!! وتحويل (التساؤلات) إلى مشروع (ابتكارات) بعد الانتقال معهم من ماذا؟ إلى لماذا؟ وإلى كيف؟ إلى ماذا لو..؟! حتى تأخذ بجذوة أفكارهم البنائية إلى طريق الابتكار والإبداع العلمي والمعرفي.. خاصة وكما هو معروف أن رؤية المملكة الطموحة 2030 تعد هي المحرك الرئيس لتعزيز ثقافة الابتكار وتطوير الاقتصاد المعرفي في وطننا الغالي.