الثقافية - كتب:
صدر عن إمارة منطقة القصيم، كتاب سياسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في استصلاح الرجال، محتوى الندوة المقامة خلال جلسة سمو أمير منطقة القصيم بقصر التوحيد بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، وقد ألف الكتاب فريق علمي مكون من: د. محمد بن عبدالرحمن السلامة، ود. سليمان بن محمد العطيني، ود. أحمد بن عبدالعزيز البسام، وراجع المادة العلمية د. خليفة بن عبدالرحمن المسعود، وقد تشرف فريق التأليف بتفضل سمو أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، حفظه الله، بكتابة مقدمة الكتاب، وقال سموه في المقدمة: «الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
يقول الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ). [فصلت: 34].
لقد وهب الله بعض عباده من الصفات الحسنة ما جعله متميزاً بين أقرانه، قدوة في طريق الحق، ساعيًا في الخير وطريق الصلاح، هدفه تحقيق مصلحة البلاد والعباد، ومن هؤلاء الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - الذي وهبه الله من الصفات ما جعلت منه قائداً مصلحاً، وسياسياً محنكاً، وحكماً عادلاً، فلم يصبه غرور السلطة، ولم تمنعه سطوة الملك عن النظرة الإنسانية في التعامل مع القريب والبعيد، فقد كان يرى الخير في كل البشر ما لم يثبت عكس ذلك، ولم يكن ممن يتعصب لرأيه ويترصد لمخالفيه، بل كان سريع العفو عن أعدائه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، قدوته في ذلك خير الخلق محمد بن عبدالله - عليه أفضل الصلاة والسلام - في العفو عن أعدائه وتأليف قلوبهم على محبته، أليس هو القائل لأعدائه من قريش حين ظفر بهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، تلك العبارة التي جذبتهم إلى الدخول في الإسلام، وحولتهم من أعداء محاربين إلى صحب محبين، ها هو سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - يستقبل بعد ما كان منه ومن والده من عداوة عكرمة بن أبي جهل بعد إسلامه، ويرحب به معد للإسلام وأهله، ولكن الاحتواء والمعاملة الحسنة جعلت من عكرمة نصرة ومنعة للإسلام، ينفق لنصرته ضعف ما كان ينفق لمحاربته قبل إسلامه.
لقد كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - نموذجًا يُحتذى، وبمثله يُقتدى، وكان مثالاً للحاكم المتزن المتصف بالصفات الإسلامية، والشمائل المحمدية في سلوك حسن التعامل، واتباع منهج العفو عند المقدرة، ولقد لمست شيئًا من تلك الصفات من خلال تتبعي لسيرته الحافلة التي صادقت عليها المصادر المكتوبة الموثوقة ونقلتها أفواه المعاصرين له من عرب وأجانب، وما وعيته وألممت به من الروايات التاريخية والشواهد في مجلس عمي الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - وأعمامي الملوك فهد، وعبد الله - رحمهما الله - وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - أيده الله - وغيرهم ممن تحدث وكتب بإعجاب عن تلك الخصلة النادرة في رجل عظيم، استفرد بها عن غيره من القادة.
ومن خلال تأملي في سيرته العطرة، وإدراكي لمكانته، فقد أصبحت منجذبًا للتعمق في تاريخه، مهتماً بإبراز منهجه ومآثره المتفردة، ومن هذا المنطلق حرصت على استضافة العديد من المؤرخين والمختصين في جلسات قصر التوحيد التي تنظمها إمارة منطقة القصيم، للحديث عن صفات هذا الرجل العظيم، وإبراز مآثره وكفاحه في مراحل توحيد هذا الكيان العظيم، ليكون قدوة لنا وللأجيال من بعدنا من خلال نماذج واضحة، وأمثلة جليلة، ومواقف مشهودة، استعمل فيها بنظرة ثاقبة سياسة إعادة تأهيل الرجال، ومنح الفرصة لكل مريد للحق والاعتدال، فتمكن - عبر تلك السياسة - من استصلاح المخالفين والخارجين عن الطريق القويم ليس بمنع عدائهم فحسب، بل وإعادتهم لجادة الحق، وتحويلهم للمسار الإيجابي، بل إنه قرّب أعداء الأمس وصاهرهم، وجعلهم بمثابة أسرته في كل شيء، مما أسهم في تبديل مسيرتهم، من محاربين وأعداء إلى أدوات خير وبناء، ليصبحوا من كبار القادة ورجال الريادة في شرف تمثيل الوطن وبنائه في الداخل والخارج.
إن الذاكرة تحفل بالعديد من تلك النماذج، مما لا يتسع المجال لاستعراضها، ولعل ذكر بعضها يسهم في رسم صورة لبقيتها، فقد كان لعفوه العام الذي أعلنه بعد ضم الحجاز، وأثره الكبير في تبديل ولاء رجال العهد الهاشمي الذين وقفوا ضده، وحاربوه عند حصارها، ثم رحلوا منها بعد أن دانت له، لكنهم بمجرد أن علموا بقرار العفو عادوا طائعين مبايعين، فتبدلت أحوالهم من العداء إلى المحبة ومن الغضب إلى الرضا، فهذا محمد بن طاهر الدباغ الذي خرج إلى مصر معادياً مستخدماً الصحف المصرية للإساءة للملك عبد العزيز وحكمه، واصفاً دخوله للحجاز بأنه بداية انتشار الجهل فيها، يتبدل إلى شخص مختلف من خلال مدرسة المؤسس، حين عاد طائعاً ليتم استقباله بحفاوة، ويُعين مشرفًا على التعليم في البلاد في خطوة جريئة، تثبت ما تمتع به المؤسس من قدرة عجيبة، على تحمل المخالف ومنحه الثقة، ليكون عضوًا فاعلاً في البناء، ويكون شاهد عصره على آثار الحكم السعودي في نشر العلم، ومحاربة الجهل، ومثله الشيخ محمد الطويل الذي عاد لينضم إلى ركب المؤسس، مشرفًا على إدارة جمرك الأحساء وماليتها، ثم مستشاراً للملك، بينما عاد الشيخ عبد الرؤوف الصبان ليكون عضواً في مجلس الشورى، ثم مديراً عاماً للأوقاف في مكة المكرمة، ثم أميناً للعاصمة المقدسة.
ولقد كان للتعامل الحكيم الذي انتهجه الملك عبدالعزيز مع عدد من رجال نجد الذين كانوا ضمن خصومه ومخالفيه أثره في انضمامهم إليه، وغرس الولاء في قلوبهم، من خلال مضمون مقولته الشهيرة: (من يافي مع غيرنا يافي معنا)، ومن هؤلاء الرجال رشيد بن ليلى، وفوزان السابق، وصالح بن عذل، وغيرهم، ممن أصبحوا قادة ومعتمدين وسفراء للوطن، فكان ذلك سببًا في إقبال أهل نجد المقيمين خارجها للدخول في معيته والانضمام لرجاله، ومن أبرز هؤلاء عبدالله النفيسي، وعبد الرحمن القصبي، ومحمد بن مانع، وعبد اللطيف المنديل، وغيرهم.
كما كان لتلك السياسة البارعة تأثيرها الساحر في جذب العديد من الرجال من خارج الجزيرة العربية من مصر والشام والعراق وليبيا وغيرها، ممن استبشروا بظهور رجل رأوا فيه قائد المستقبل العربي، بما يتميز به من صفات حسنة، ومنهج واضح، وحكمة مثبتة، فقدموا للانضمام إليه والعمل معه، ومن هؤلاء: يوسف ياسين وحافظ وهبة، وفؤاد حمزة، وخالد القرقني، وخير الدين الزركلي وعبدالله الدملوجي، وقائمة من الرجال المخلصين.
ورصداً لما سبق من خصائص الملك المؤسس في هذا الجانب، فقد خصصت إحدى جلسات قصر التوحيد في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، المشار إليها للحديث عن منهج الملك عبد العزيز - رحمه الله - في استصلاح الرجال، فجاء هذا الكتاب بصفته ثمرة لتلك الجلسة، بمشاركة نخبة من الأكاديميين المختصين ونتاج جهد مشترك مع جامعة القصيم التي تولت طباعة الكتاب وإخراجه للقارئ الكريم. فجزيل الشكر لكل من أسهم في هذا العمل، سائلاً الله - جل وعلا - أن يحفظ بلادنا وقيادتها، لتبقى مضرب المثل، والقدوة الحسنة في اتخاذ كل ما من شأنه تعزيز البناء والنماء، وأن يرحم والدنا المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي اتصف بشيم الرجال العظماء، واتخذ من العفو عند المقدرة منهجاً للحياة وبناء الدولة».
والكتاب يقع في 164 صفحة من القطاع المتوسط، بتجليد فاخر، ويتكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وجاء الفصل الأول بعنوان: صفات الملك عبدالعزيز القيادية وأثر عفوه وصفحه في استصلاح الرجال، أما الفصل الثاني فقد تطرق إلى اصطفاء الملك عبدالعزيز للرجال ومتابعته لهم، أما الفصل الثالث فتناول آثار استصلاح الملك عبدالعزيز للرجال، بعد ذلك جاءت الخاتمة التي كتبها وكيل إمارة منطقة القصيم د. عبدالرحمن الوزان، قال فيها : «إن عناية سيدي أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور/ فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز - حفظه الله - بتاريخ هذا الوطن العظيم، لا يتوقف عند حد معين، فهذا الكتاب القيّم هو نتاج ما تم طرحه، وتناوله في إحدى جلسات سموه الكريم بقصر التوحيد العامر، ومن خلال ندوة ثرية أقيمت بتاريخ 1442/4/8هـ، الموافق 2020/11/24م، بعنوان «سياسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في استصلاح الرجال»، استهلت بتقديم رائع لسموه الكريم، حيث استعرض فيها حنكة ودهاء الوالد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - فقد اجتمعت فيه عدة صفات، جعلت منه قائدًا استثنائيًا، كما جعلت حياته ونشاطه السياسي والإداري محل دراسة وتحليل للكثير من المؤرخين والكتاب والمهتمين بسيرته العطرة، فجلالته القدوة وصاحب الريادة التي جعلت من هذا الوطن شامخاً كما أراد له بتوفيق المولى جل وعلا، رحمه الله وأعلى درجاته في الفردوس الأعلى، وسار على نهجه - من بعده - أبناؤه الملوك البررة، وصولاً إلى عهد مقام مولاي وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهم الله وأدام عزهم.
كما يبين الكتاب كيف نجح الوالد المؤسس - طيب الله ثراه - في كسب الشخصيات المؤثرة للعمل بجانبه، وتمكينهم من إظهار قدراتهم وكفاءتهم، حيث أصبحوا رجال دولة عاملين قادرين على النجاح والتفوق في أعمالهم التي أوكلت إليهم وأنيطت بهم، فمنهم الأمراء والوزراء والرجال المخلصون الذين شاركوا مع جلالته في إدارة البلاد، كما أوضح تميز الملك المؤسس بحسن علاقته مع الخصوم الذين رأى فيهم الخبرة والمعرفة بالإدارة والسياسة، كما أن صفات العفو والصفح التي اتسم بها جلالته منطلقاً لاستصلاح خصمه، ونتيجة لتعامله الحسن تمكن من إبدال العداوة إلى محبة وألفة، فتحوّل غالبية من كانوا يعملون مع خصومه إلى رجال دولة مخلصين في صفه، وكان لهم دور في مرحلة البناء، خلال مسيرة توحيد جلالته للبلاد - رحمه الله -.
كما أن من صور التلاحم بين القيادة والشعب انتهاج المؤسس - طيب الله ثراه - سياسة الباب المفتوح، واستقبال كلّ من له مظلمة أو طلب، وإرساء مبادئ العدل، وأخذ كل ذي حق حقه، وانتهاج مبدأ التفويض مكرراً - رحمه الله - يرى الحاضر ما لا يرى الغائب عند تقدير المصلحة العامة وتغليبها، وهذا ما قرب المؤسس إلى قلوب شعبه، ورأوا فيه القائد العادل، وسار على منهجه أبناؤه الملوك البررة وأمراء المناطق، حيث سبق وأن أعد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور / فيصل بن مشعل بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم - حفظه الله وأدام عزه - أطروحة درجة الماجستير في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا (شيكو) بعنوان: (المجالس المفتوحة والمفهوم الإسلامي للحكم في سياسة المملكة العربية السعودية) - أدام الله عزها وحفظها - وألف كتابًا في ذلك من تقديم مولاي وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أدام الله عزّه ورعاه، ولتكن سياسة الوالد المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - سنة باقية تنتهجها دولتنا العظيمة، عمل ويُعمل بها، ويؤكد عليها ملوك هذه البلاد الطاهرة.
كما تجدر الإشارة الى ثراء ما يتم تداوله في جلسات سمو أمير المنطقة سيدي صاحب السمو الملكي الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم - حفظه الله وأدام عزّه - التي تقام بشكل دوري يوم الاثنين لمجلسين شهريًا، وبشكل منتظم، تحظى بعناية سموه الكريم الفائقة من اختيار للموضوع والمتحدث والمتداخلين، وبحضور لافت لكافة شرائح المنطقة من أصحاب الفضيلة العلماء، والأعيان، وقيادات المنطقة، ومحافظيها ، ورؤساء المراكز، والمواطنين والمواطنات».
كما ضم الكتاب ملحقًا مصورًا للعديد من المكاتبات والوثائق.
ويمثل هذا الكتاب بمادته الثرية، ومعلوماته القيمة إضافة نوعية للمكتبة السعودية.