د. محمد بن أحمد غروي
سجل طلاب سنغافورة المراكز الأولى في اختبار عالمي للتفكير الإبداعي، متقدمين على طلاب مشاركين من 63 دولة. وأجرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الاختبار كجزء من برنامج تقييم الطلاب الدوليين (بيزا- PISA) 2022. ووجد الاختبار أن ستة من كل 10 طلاب سنغافورة الذين تم اختبارهم حققوا أعلى مستويين من الكفاءة، بما يدل على القدرة على توليد أفكار أصلية ومتنوعة لمجموعة واسعة من مهام حل المشكلات والسياقات التي تتطلب التعبير والخيال الإبداعي. ليؤكد الاختبار الحديث تفوق نظام التعليم السنغافوري ليس في النطاق الآسيوي فحسب ولكن على الصعيد العالمي أيضًا.
ووفق تصريحات وزارة التعليم السنغافورية، أن المعلمين السنغافوريين يقدرون إبداع الطلاب ويساعدون في رعاية تفكيرهم الإبداعي. وبحسب الاستطلاع الطلابي فإن 8 من كل 10 أكدوا أن معلميهم قد ساهموا في تشجيعهم على التوصل إلى إجابات أصلية، وتم منحهم الفرص في المدرسة للتعبير عن أفكارهم.
ومن خلال الدراسات التي تؤكد أن النظام التعليمي في سنغافورة بأركانه وأدواته يدعم الإبداع والتوصل إلى حلول مختلفة للمشكلات التي يتعرض لها الطلاب. إذ يتماشى الأمر مع إعلان سنغافورة في عام 2022 أن المدارس ستعمل على دمج تعليم التصميم في مناهجها الدراسية بحلول عام 2050، بهدف حث الطلاب على استخدام التصميم لحل المشكلات المعقدة؛ لتكون هذه الخطوات المهمة خارطة طريق لرعاية المفكرين المبدعين، الذين من المتوقع أن يستخدموا خبرتهم في التصميم لمعالجة قضايا العالم الحقيقي مثل تغير المناخ وشيخوخة السكان، وبحسب تقرير صحفي اطلعت عليه جعلت المدارس جزءا مهما في حل مشكلات اجتماعية محلية وارتبطت بالمنهج الدراسي، لتكون النتيجة اختراعات طلابية شقت طريقا لحلول عملية وواقعية وتحفيز الفضول، والتفكير النقدي ودعم المزيد من الأنشطة المفتوحة والبناء المعرفي التي تغذي الفصول مما يساعد الطلاب على رؤية كيفية تطبيق المعرفة بشكل إبداعي لتوليد قيمة جديدة أو حل مشكلات العالم الحقيقي تعد سنغافورة منذ عدة سنوات من أعلى الدول عالميًا في مستويات التعليم والقراءة والكتابة بين سكانها، ويبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة لسكان سنغافورة فوق 15 عامًا 97 %، ويصل المعدل إلى 98.5 % في الرجال و95.8 % بين السيدات. ويعد الإحجام عن تسجيل الأطفال في المدرسة جريمة يعاقب عليها القانون.
كما ورصدت الدولة الصغيرة نسبة كبيرة من ميزانيتها للتعليم، حيث توجه سنغافورة 20 % من ناتجها المحلي إلى التعليم في البلاد وهو أكبر إنفاق حكومي على وزارة بعد وزارة الدفاع. ووصل الإنفاق على التعليم في سنغافورة إلى 8.9 مليار دولار أمريكي في الأعوام الأخيرة، وفي عام 2019 جاوز الإنفاق الحكومي على الطالب الواحد في المدارس الحكومية حوالي 16 ألف دولار. وعلى عكس عدد من الدول، فخلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت دول العالم بين عامي 2008- 2009 لم تخفض سنغافورة ميزانية التعليم على العكس رفعتها من 8 مليار دولار إلى 8.9 مليار دولار وذلك لاهتمامها الكبير بالنظام التعليمي كونه الطريق الأمثل للنهوض من الكبوات الاقتصادية.
لعب التعليم دورًا محوريًا في نهضة وتقدم البلاد، ومشروعها لبناء دولة متطورة وتحقيق معدلات نمو مرتفعة. كذلك جعلت سنغافورة التعليم والقوة البشرية رأس مالها الرئيسي منذ حصولها على الاستقلال عن الاحتلال البريطاني في 1965 . وكونها بلدًا لا تملك أي مصادر طبيعية أو صناعات متطورة في هذا الوقت، أصبح التعليم مكونًا رئيسيًا لمشروعها واستراتيجيتها للتنمية الاقتصادية. وكانت الرؤية منذ تأسيس سنغافورة على يد رئيس وزرائها الأول، لي كوان يو، هي تطوير العنصر البشري وأن يصبح التعليم أولوية قصوى للبلاد حيث أعلنها رئيس الوزراء الأول صراحة بأن المورد الطبيعي الوحيد المتاح لتطوير سنغافورة هو «شعبها».
وتبنت سنغافورة منهجًا ونظامًا يجعل من التعليم منقذًا للبلاد ويهدف إلى تخريج العمالة الماهرة لبرنامج التصنيع الخاص بها، وخفض مستويات البطالة.
من ناحية أخرى، وإلى جانب دور التعليم في النهضة الاقتصادية للبلاد، كان أداة لتطبيق التكامل بين أفراد الدولة الجديدة، إذ قُدِمَت سياسة اللغة الثنائية في المدارس السنغافورية في عام 1960 لتصبح اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية في التعليم بالمدارس الوطنية، إلى جانب اختيار لغة ثانية وهي اللغة الأم للطالب، كما وأن ودمج التعليم بالنظام الجديد للشعب السنغافوري بأعراقه المختلفة يسهم في التعايش السلمي ليكون جسرا للتواصل الحضاري المستقبلي.