د.عبدالله بن موسى الطاير
صوّت 60 % من البريطانيين بتراجع بلغ 7.6 % عن انتخابات 2019م لنحو 394 حزباً وسياسياً مستقلاً. ثلاثة أحزاب احتلت 93 % من مقاعد مجلس العموم؛ وهي حزب العمال بنسبة 63 %، والمحافظون بنسبة 19 % والليبرالي الديموقراطي بنسبة 11 % من المقاعد البالغة 650 مقعداً. ومع أن حزب العمال حصل على أكثر من 200 مقعد إضافي بإجمالي 412 مقعدا، لكن حصته من الأصوات لم تزد بأكثر من نقطتين مئويتين لتبلغ 34 %. أما المحافظون الذين تكبدوا هزيمة القرن فسجلت نسبتهم من المصوتين انخفاضًا بمقدار 20 نقطة لتبلغ 24 % بخسارة 251 مقعدًا عن انتخابات 2019م. حل حزب الإصلاح اليميني المتطرف بقيادة نايجل فارج في المركز الثالث بنسبة أصوات بلغت 14 % إلا أنهم وجدوا صعوبة في تحويل الأصوات إلى مقاعد حيث لم يحصلوا سوى على 5 مقاعد في مجلس العموم. في المقابل، تمت ترجمة حصة أصوات الديمقراطيين الليبراليين البالغة 12 % من الأصوات في 71 مقعداً، وسجل حزب الخضر أفضل أداء له على الإطلاق في الانتخابات العامة، حيث فاز بأربعة مقاعد وسبعة في المائة من الأصوات.
ما الذي يعنيه ذلك؟ دعونا نتذكر نقمة الأمريكيين على الرئيس جورج بوش الابن، حيث انتخبت أمريكا رئيساً ملوناً لأول مرة في تاريخها هو باراك أوباما، وبسبب تداعيات ذلك على البيض راجت الإشعاعات عنه، وشعر البعض أن أمريكا يحكمها مسلم، فرفض الأمريكيون الحزب الديموقراطي كله على الرغم من نجاحه الاقتصادي في معالجة آثار الكساد الذي ضرب أمريكا والعالم عام 2008م، وتم تسليم البيت الأبيض للرئيس ترامب. إنها ردود أفعال أكثر منها برامج انتخابية وكفاءة مرشحين تلك التي تحدد مصير الانتخابات الديموقراطية في بعض الأحيان. هل تبدو الصورة مختلفة على ضفة المحيط الغربية؟ ربما. كير ستارمر تسلم حزب العمال مهترئاً بعد هزيمة 2019م، ونجح في إصلاحه وطرد اليسار المتطرف منه، ولذلك فقدرته بالنهوض بالحزب كانت ميزة إضافية له في انتخابات 2024م، فمن يستطيع تغيير حزبه، يمكن له أن يغير بلداً من وجهة نظر بعض الناخبين. العامل الذي يغض عنه الطرف الكثير لا يختلف كثيرا عما جرى في أمريكا أعوام 2008م و2016م، فردود الفعل لها وزن انتخابي مؤثر.
الإخفاقات والفوضى التي ضربت حزب المحافظين بدءا بمغادرة الاتحاد الأوربي بعد حملة قادها المتعصبون الإنكفائيون من أمثال نايجل فاراج أظهرت الحزب بقيادة مضطربة بدءا بتريزا ماي، وبوريس جنسون مرورا بليز ترس وانتهاء برئيس وزراء ملّون هو ريشي سوناك. وكما عاقب الأمريكيون عام 2008م الحزب الجمهوري، وعام 2016م الحزب الديموقراطي بقسوة، عاقب البريطانيون حزب المحافظين بدون رحمة على إخفاقاته، وربما احتجاجاً على وجود سياسي ملون على رأس الحزب. ولقد شهدت حملة الانتخابات البريطانية الأخيرة حملة عنصرية مقيتة ضد رئيس الوزراء السابق عبّر في أكثر من مناسبة عن غضبه الشديد منها، وهو على حق.
صحيح أن حزب المحافظين اشتهر بقيادات فذة منها تشرشل ومارغريت تاتشر وجون ميجر، الذين أحدثوا تحولات كبرى في السياسات الداخلية والخارجية البريطانية، إلا أنه لا يمكن إغفال قيادات برزت في قيادة حزب العمال والحكومة منهم رامسي مكدونالدز، وكلمنت أتلي، وهارولد ويلسون، وتوني بلير.
لقد كانت غزة والحرب الإسرائيلية عليها عاملاً مهماً في فوز وخسارة بعض المرشحين، فمرشحي حزب العمال المؤيدين للحرب على غزة سقطوا في المناطق ذات الأكثرية المسلمة في بريطانيا، كما أن خمسة مرشحين مستقلين مؤيدين لفلسطين، بما في ذلك زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين فازوا بمقاعد في مجلس العموم في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، وكانت الحرب الإسرائيلية على غزة من بين القضايا الرئيسية للناخبين. المرشحون المستقلون الأربعة الآخرون المناصرون لغزة الذين فازوا بمقاعدهم من حزب العمال يوم الجمعة هم شوكت آدم، وأيوب خان، وبيري بار، وعدنان حسين، وإقبال محمد.
علاقة حزب العمال مع الحزب الجمهوري وبخاصة الرئيس ترمب ليست في أفضل حالاتها، ولكن علاقة بريطانيا بأمريكا عضوية ومصيرية ولا يمكن حدوث تحولات جوهرية فيها، كما أن العمال سيواجهون بمد يميني متطرف في القارة الأوروبية، مما يجعل السنوات القادمة لحكمهم زاخرة بالتحديات. التحدي الأكثر خطورة هو الداخلي حيث بذلوا الوعود بسخاء لمواطنيهم، فهل يستطيعون الوفاء بها، ومتى؟