الكويت - خاص بـ«الجزيرة»:
أكدت الشيخة حصة بنت سالم الصباح رئيس مجلس إدارة مركز الأسرة للاستشارات والتدريب بالكويت، رئيس المشروع الوطني التنموي «أتمنى» والمشرف العام، أكدت أن أغلب المجتمعات تعاني من انتشار ظاهرة الطلاق، ونجدها في كل بيت، مشددة على عدم الاستماع إلى نصائح أصحاب التجارب الفاشلة، والاقتداء بالنماذج الناجحة من المتزوجين.
وقالت الشيخة حصة الصباح في حوارها مع «الجزيرة» إن المرأة والأبناء هم الأكثر استهدافاً لإضعاف الأسرة ودورها في بناء المجتمع، وأن قضية غرس القيم مسؤولية مجتمعية تحتاج إلى توحيد الجهود، مشيرة إلى آفة المخدرات وسعي المروجين لتطوير أساليبهم للهروب من ملاحقة الدول.
جدير بالذكر أن الشيخة حصة الصباح أحد أبرز رواد العمل المجتمعي في الكويت، وقد طرحت عدة مبادرات مجتمعية أبرزها المشروع الوطني التنموي «اتمنى» وهو أول حاضنة تربوية داعمة لرواد التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي تمكنهم من مشاركة أصحاب القرار في تحقيق الرؤية الخليجية في مجال تنمية التعليم، وتوعية النشء والشباب بأهمية تحديد أمنياته الحقيقية بمختلف مجالات الحياة، ومن مبادرتها أيضاً تأسيس موقع إلكتروني خاص يحتوي على معلومات عن كل ما له صلة بحقوق المرأة الكويتية، وذلك بالتعاون مع لجنة شؤون المرأة والجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، وفيما يلي نص الحوار:
* صدر لكم مؤخراً كتاب: «أتمنى» لعلاج الاغتراب النفسي والمجتمعي، ترى ما أبرز ما خرجتم به في هذا الإصدار؟
- أبرز ما تطرقنا له في هذا الإصدار هو القصص الواقعية التي تعكس معاناة البشر اليومية وطريقة تعاملهم مع تلك المعاناة، من خلال مواجهة ظروفهم الصعبة، واستثمار طاقاتهم النفسية والجسدية، والروحية (الإيمانية)، لحل تلك المشاكل، أو التكيف معها لتقليل كمية المعاناة وتخفيف آثارها النفسية عليهم، وهي عبارة عن دروس حياتية للآخرين، ورسالة للبشر(أنتم لستم وحدكم في هذه المعاناة)، فاصبروا وثابروا واعتمدوا على قدراتكم واستعينوا بالله كي تصلوا إلى أفضل الحلول.
* أضحت مشكلة الطلاق من المشكلات المؤرقة في المجتمع الخليجي لها عواقبها الوخيمة على الأسرة والمجتمع، ما السبل الكفيلة للحد من تفاقمها وتزايدها؟
- نعم تعاني أغلب المجتمعات من انتشار ظاهرة الطلاق، ونجدها في كل بيت، بسبب التساهل في عملية اختيار شريك الحياة وفق معايير غير سوية، وبسبب ضعف التأهيل-الجسدي والعقلي والاجتماعي والمادي والشرعي -للمقبلين على الزواج، وكذلك بسبب ضعف المهارات الاجتماعية والزوجية لدى المقبلين على الزواج، وغيرها من مسببات كالإعلام ووسائل التواصل، وتدخلات الآخرين سلباً، والمتطلبات المادية الكثيرة، وللحد من تفاقم مشكلة الطلاق علينا بداية أن نؤهل أبناءنا وبناتنا لهذه المرحلة، تأهيلاً جسدياً ومعرفياً ونفسياً ومادياً واجتماعياً، وشرعياً، حتى يكونوا قادرين على التعامل مع التحديات المتوقعة بعد الزواج، ثم علينا حسن الاختيار للشريك المتوافق مع احتياجاتنا الحقيقية، دون الوقوع في مطبات الاختيار السيئ، مثل عدم التوافق الاجتماعي أو الثقافي، لأنها بذرة للخلافات الزوجية مستقبلاً وقد تقود للطلاق، وكذلك تزويد المقبلين على الزواج بمهارة الحوار، ومهارة إدارة المشاعر، ومهارة حل المشكلات، ومهارة إدارة الميزانية، ومهارة لعب الأدوار، وغيرها من مهارات اجتماعية لتكون درعاً لمواجهة التحديات الزوجية، ووضع خطة وأهداف بعيدة المدى للزواج، وليس فقط هدف الإنجاب والمتع والسفر، لأن هذه الأهداف قصيرة المدى ويمكن تحقيقها خلال سنتين من الزواج ثم تبدأ المشاكل، وما نقصده هو اعتبار الزواج طريقا لدخول الجنة، لذلك على الزوجين مراقبة مشاعرهم وكلماتهم وسلوكهم، فإن كانت تقودهم للجنة استمروا فيها، وإن لم تقدهم للجنة فعليهم استبدالها والتوقف عنها، فمراعاة الله أهم شرط وهدف للزواج، والتغافل عنه هو أول طريق للطلاق، فالحديث يقول: (اظفر بذات الدين تربت يداك).
* هناك فجوات وثغرات في الكيانات الأسرية بخلاف السابق، ماهي الخطوات الأساسية التي يجب اتباعها لتحسين الفهم والتواصل في العلاقات العائلية والاجتماعية؟
- كما قلنا في السؤال السابق فإننا نحتاج تأهيلا واستعدادا وحسن اختيار للشريك، وبناء مهارات زوجية قبل التفكير في الزواج، ثم الاقتداء بنماذج ناجحة من المتزوجين، والبعد عن متابعة النماذج الفاشلة، وتغيير الصورة الذهنية السالبة عن الزواج والمنتشرة في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وخاصة النماذج السلبية الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى المقبلين على الزواج السعي لتطوير ذواتهم من خلال القراءات الرصينة ومتابعة الندوات والمؤتمرات والكتب التي تتناول الأمور الأسرية والتربوية، وعدم الاستماع إلى نصائح أصحاب التجارب الفاشلة من الأهل والأصدقاء، والبحث عن الاستشارة من ذوي الخبرة والعلم والتقى والصلاح وممن يمتازون بالحيادية، كي تكون نصيحتهم صائبة، والاستعانة بالله والصبر على الشريك والإكثار من الدعاء والاستغفار خاصة عند مواجهة أي تحد مع الشريك، واحتساب الأجر من الصبر عليه.
* المتعارف عليه أن ما يسمى «العنف الأسري» يتعلق بالمرأة والطفل؛ فهل الرجل يصاب بالعنف من قبل الأسرة، وكيف؟
- نعم الرجال يتعرضون أحياناً للعنف الأسري من شريك الحياة ومن الوالدين والإخوان وأحياناً من الأبناء، ويتم ذلك من خلال عدة صور: العنف الجسدي المباشر (ضرب باليد، دفع، عرقلة، ضرب بأداة حادة، وقد تصل للقتل)، والعنف اللفظي (صراخ، شتم، استهزاء، رسائل واتس أب... وغيرها)، والعنف النفسي (إهمال، تقليل من القيمة، تهرب من العلاقة، الصمت، التهديد بإيقاع العقاب، الشكوى للآخرين)، والعنف الإلكتروني: التهديد بالفضيحة بنشر صور أو محادثات، الابتزاز، النبذ من القروبات، البلوك).
* وهل تتفقون أن وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت ما يسمى بـ»الطلاق العاطفي» داخل بيت الزوجية؟
- نعم وسائل التواصل أصبحت الآن من مدمرات العلاقات البشرية بشكل عام والزوجية بشكل خاص، لأنها خلقت فراغات بين الأزواج، وكأن كل شخص يعيش في جزيرة منفصلة، فهم يتواجدون معاً جسدياً ولكنهم بعيدون نفسياً واجتماعياً، وأصبح الأزواج يتحاورون مع الغريب في القروبات أكثر مما يتحاورون مع بعضهم.
* الأسرة أساس بناء المجتمع وصناعة الحضارات؛ فما العناصر الأكثر استهدافاً للأسرة، ووسائل الوقاية الممكنة لمحاولة النهوض بالمجتمع وقيمه؟
- المرأة والأبناء هم الأكثر استهدافاً لإضعاف الأسرة ودورها في بناء المجتمع، ولعل ذلك بسبب العاطفة لدى المرأة فيسهل استدراجها، وكذلك بسبب ضعف الخبرات وضعف التأهيل وضعف الوازع الديني لدى الأبناء يجعلهم فريسة سهلة للاستدراج والتأثير عليها لإضعاف دور الأسرة، ومن أجل الوقاية من تلك المؤثرات علينا خلق قدوات مؤثرة على أبنائنا من الوالدين والرواد في السيرة النبوية وقصص الصحابة ورواد المجتمع الصالحين والمصلحين، وكذلك إبعاد الأسرة عن مؤثرات الإعلام والسوشيال ميديا وتعويضهم ببدائل داخل الأسرة كالحوار الإيجابي اليومي، الذي يقدر دور جميع أفراد الأسرة في الحفاظ على كيانها ووقايتها من التحديات الخارجية، وغرس الوازع الديني في الأبناء لتقوية دفاعاتهم أمام ما يواجهونه خارج إطار الأسرة.
* وهل تعتقدون أن المناهج الدراسية في دول مجلس التعاون الخليجي أسهمت في وضع الأسس الرئيسية لمكارم الأخلاق لدى الناشئة؟
- نعم وزارات التربية في مجتمعاتنا تسعى جاهدة لغرس القيم الإيجابية في الأبناء بكل السبل المتاحة، حتى مع وجود تحديات كبيرة في وسائل الإعلام الموجهة من الخارج، وقضية غرس القيم هي مسؤولية مجتمعية تبدأ في الأسرة ثم تنتقل إلى المدرسة، وتشارك فيها لاحقاً كل مؤسسات الدولة، كل حسب أماناته، كوزارة الأوقاف، ووزارة الإعلام، ووزارة الداخلية، ووزارة الشباب، ووزارة التجارة، ولا تكاد وزارة لا يوجد لها دور في هذه العملية، وكل ما نحتاجه هو توحيد الجهود وتكثيفها للوصول إلى أفضل النتائج لصالح الأسرة والأبناء والمجتمع.
* غير خاف عليكم أن دول الخليج تتعرض لحملة ممنهجة شرسة لإغراقها بالمخدرات؛ فهل ترون أن الخطط والاستراتيجيات كافية للقضاء على تلك السموم والعصابات المنظمة؟
- كلما وضعنا خططا واستراتيجيات لمكافحة آفة المخدرات سعى المروجون لتطوير أساليبهم للهروب من ملاحقة الدول، لذلك علينا عدم الركون لخطط آنية فقط، بل علينا السعي لتطوير أدوات الملاحقة والمكافحة مع تشديد العقوبات على المروجين والمتاجرين والمتعاطين، ولا نغفل عن خط الدفاع الأول عن المجتمعات من هذه الآفة، وهي الأسرة، علينا توعيتها بشتي الطرق وتزويدها بكل المهارات التي تمكنها من اكتشاف أي اختراق لصفوفها لمعالجته بسرعة وحكمة.