بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
طالبت دراسة علمية الباحثين في شؤون الجماعات الإسلامية المعاصرة؛ بالاهتمام بدراسة كتب ورسائل مؤسِّس جماعة الإخوان حسن البنا وكِبَار مُنَظِّري الجماعة كالمودودي وسيِّد قُطْب دراسة أكاديمية مُوَسَّعة؛ لتفنيدِها والردِّ عليها، وكذلك كتُب ورسائل مُنَظِّري تنظيم القاعدة، مع أهمية تضمين المناهجِ الدراسيةِ من المرحلةِ المتوسِّطة والثانوية، والمراحل الجامعية؛ بإبراز مفاهيمِ الأمن الفكري لتحصين أفكار الطلاب من الوقوع ضَحِيَّة هذه الجماعات.
وحثت الدراسة الباحثين بدراسة التفسير السياسي المنحرف للإسلامِ عند الجماعات الإسلامية المعاصرة؛ فهو مُنشِئ الخلَلِ في الانحراف في مفهوم الخلافة، وخطورته على ماهية التوحيدِ ومقاصد العبادات، باستقراء مقالات جماعة الإخوان وتنظيمِ القاعدة ونقدِها في ضَوءِ الكتاب والسنة وعقيدةِ السَّلَف الصالح، وكذلك الباحثين بتفنيدِ الأفكارِ الهدَّامة التي تدعو لها جماعةُ الإخوان المسلمين-ومَن وافَقَها-، وخير ما يعين على تفنيد هذه الانحرافات هو النقل من كتبهم وبالذات الزعماء وكبار الرموز وعدم النقل عن مخالف لهم، وهذا أقوى في إقامة الحجة وتبين المحجة.
وحثت الدراسة العلمية المعنونة بـ»الخلافةُ في فِكر الجماعات الإسلامية المعاصرة وآثارها، عَرضٌ ونَقد»، للباحثة: ريهام بنت عبد الرحمن الهزَّاع، ونالت بها درجة الماجستير من (قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة القصيم)، وحصول الباحثة على جائزة أفضل خطة بحثية للرسائل العلمية في تعزيز الأمن الفكري (مسابقة حصانة) التي أقامتها جامعة القصيم.
وأظهرت نتائج الدراسة العلمية للباحثة ريهام الهزاع أنَّ مفهوم الخلافة الذي تبنَّته الجماعاتُ الثلاثُ من كُبرى المسائل التي فتحت باب شَرٍّ عظيمٍ على الإسلام والمسلمين، وكذلك نُدرةُ الدراسات المتخصِّصة والمؤصَّلة تأصيلًا علميًّا لمسائل الخلافة المبنيَّة على الكِتاب والسُّنَّة مكَّنَت مُنظِّري هذه الجماعات لتأصيل مسائلِ الخلافةِ تأصيلًا منحرفًا وَفْق منظور حزبيٍّ ضيِّق، وتولَّد التفسيرُ السياسي للإسلام من الانحرافِ في مفهوم الخلافة، والذي تبنَّته هذه الجماعاتُ من خلال تأثُّرها بكتاباتِ ورسائلِ حسن البنَّا، وأبي الأعلى المودودِيِّ، وسيد قطب؛ باعتبار أنَّ إقامةَ الدولة من المقاصدِ الكُلِّيَّة للدين، فاضطرُّوا لتأكيد فِكرتِهم وتبريرِ ما ذهبوا إليه، فلم يجِدُوا إلا تفسيرًا سياسيًّا مُنحرِفًا للإسلام، لم يدُلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، ولم يقُل به عالمٌ مُعتبَر من سلَف الأمة، مشيرة إلى أنه تولَّد عن الانحرافِ في مفهوم الخلافة: عدمُ اقتصارِ ضرَرِ هذه الجماعات على الخروج والتكفير وحَمْل السلاح والتفجير داخل بلاد المسلمين، بل تجاوز الأمرُ إلى تحريفِ غايةِ الدين، ودعوة الأنبياء والرسل -عليهم السلام- والقول بأنَّ شرائعَ الدين الإسلامي وعباداتِه مجرَّدُ وسائلَ تدريبيَّة لغايةِ الحكم والسلطة؛ ولعلَّ عبارة المودودي التي قال فيها: «إنَّ العبادات الأربعَ (الصلاةَ، والصومَ، والزكاة، والحج) فُرضت لتربيتِكم وإعدادكم لغايةٍ مُهمَّةٍ وعملٍ جادٍّ؛ وهو القضاءُ على سيطرة الجبابرة والفراعنة، وأنَّ هذه الأركانَ فُرِضَتْ لتؤهِّلَنا لتحقيق هذا الهدف السامي»؛ تُنبئ عن الانحراف الجَسيم والخَطَر الوخيم في خطورة التأصيل لمسائل الخلافةِ بعيدًا عن الأصول الشرعية، وتولَّد عن الانحرافِ في مفهوم الخلافة عند هذه الجماعات: تكفيرُ شرائحَ واسعةٍ من المجتمعات الإسلامية؛ فلمَّا كفَّروا الحُكَّام اضطروا لتكفير كلِّ ما يمُت لهم بصلة، ولعلَّ في عبارة المقدسي ما يؤكِّد هذا الخللَ الوخيم، حيث قال: «النُّصرةُ بـ(اللسان، والقلم، والدعاء) شأنُها شأنُ النُّصرة بالقتال، وعلى هذا فالقضيةُ ليست وَقْفًا على مَن لَبِس لِبَاس الجيش أو الحرَس الوطَنِيِّ أو نحوهم، وإنما تشملُ كلَّ نصيرٍ ظهيرٍ لهم، وإن كان مدرِّسًا، أو فرَّاشًا، أو إمامًا في مسجدٍ، أو غيره؛ فما دام يَنصُرُ شِرْكَهم، أو يتولَّاهم ويَنصُرُهم، ويظاهرهم على الموحِّدين؛ فهو منهم، وحكمُه حكمُهم»، كما قرَّرَه مِن قبله سيِّد قُطب، فمَن بقي بعد هذه الفئات على دين الإسلام عند هؤلاء؟!.
وأبانت نتائج الدراسة أنه مما تولَّد عن الانحرافِ في مسائل الخلافة عند هذه الجماعات: الطعنُ في الدعوة النَّجْدية الإصلاحية التي قام بها الإمامُ محمَّدُ بنُ سعود والشيخ محمَّدُ بن عبد الوهاب -رحمهما الله- والتهوينُ من شأنها ونتائجها وآثارها، ويقابِلُ ذلك التمجيدُ والإشادة بدعوات الرافضة كجماعةِ «فدائيان إسلام»، والدعوة الخميّنية.
وأظهرت الدراسة العلمية إلى أن جماعة الإخوان تُعَدُّ الوعاءَ الذي خرجت منه كافةُ التنظيمات التكفيرية التي أهلكت الحَرْث والنَّسْل، فمعظم قادة الجماعات والتنظيمات المنحرفة إما كانوا أفرادًا سابقين فيها؛ أو متأثِّرين بفكر كبار رموزها، وبخاصة حسن البنا، والمودودي، وسيد قطب، كاشفة عن انتهاج جماعة الإخوان للعنف ورفع السلاح داخل بلاد المسلمين، كان منذ بداية تأسيسها من خلال إنشاء (التنظيم الخاص) ضدَّ من يُخاصِمون الدعوة، ويحاولون إعاقة سيرها -على حدِّ زعمهم؛ كاغتيال القاضي الخازندار، واغتيال رئيس الوزراء -آنذاك- محمود فهمي النقراشي، وفي هذا ردٌّ على من يرى انتهاج العنف للإخوان كان بعد عهد جمال عبد الناصر، وقد نقلتُ الباحثة في دراستها من كتبهم أن لهم السَّبْق في الخروج على جماعة المسلمين، وتصنيع المتفجِّرات والأحزمة الناسفة للتفجيرِ بها داخلَ بلاد المسلمين، والاغتيالات والانقلابات العسكرية، وقَتْل وسَفْك الدماء المعصومة، وكذلك اتفاق الجماعات الثلاث على أولوية قتال حُكَّام البلاد الإسلامية، وهو ما يُعبَّر عنه عندهم بقتال المرتَدِّ أولى من قتال الكافرِ الأصلي.
تجدر الإشارة إلى أن الرسالة اقتصرتْ على دراسة مفهوم الخلافة في فكر أهمِّ الجماعات الإسلامية المعاصِرة: جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم القاعدة، وتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، كما تهدف الدراسة إلى بيان مفهومِ الخلافةِ الذي تبنَّته هذه الجماعات الثلاث وجذوره، وبيان موقفِهم من مَسائلِ الخلافة، وعرض الطُّرُق التي سلَكَتْها في الوصول للخلافة، والآثار المترتِّبة على ذلك.