مدينة عنيزة، ذات التاريخ العريق، في فنونها الشعبية، تشتهر بفن «سامري عنيزة». من المعروف أن كل طقة بالطبل تسمى «سامري». لا اعتراض على ذلك. ولكن سامري عنيزة المتميز له صفة خاصة, فقد ابتدع وتطور في عنيزة. وحري به أن يصبح ماركة مسجلة لعنيزة، محليًّا ودوليًّا. والذين يجيدون ممارسة سامري عنيزة يمرون بمراحل تدريب خاصة لفترة زمنية حتى يتم اتقان المشاركة فيه مع الفريق.
ويجدر بنا تعريف «النقيلية»، التي تصدرت العنوان، والهدف من ذكرها. النقيلية مزرعة (كانت) زمنًا مضى تبعد عن حاضرة عنيزة بضعة كيلومترات. ومع التوسع العمراني أصبحت اليوم وسط الأحياء الجديدة. كان موقعها بين كثبان رمال جميلة. وقبل ما يزيد عن ثمانين عامًا، كان الشباب، ممن كانوا مغرمين بفن السامري، يمارسون طق أو لعب السامري هناك ليالي الجمعة، بعيدًا عن الأحياء السكنية، وخوفًا من المعارضة التي كانت حينها ضد معظم وسائل اللعب والغناء بمصاحبة الطبول, فلم يكن في ذلك الوقت يُسمَح لمداعبة الطبول كوسيلة من وسائل الطرب، إلا ربما للعرضة النجدية. ولكن ذلك لم يمنع المحبّين للسامري من ممارسة هوايتهم بعيدًا عن أعيُن وسمع المنتقدين. قال أحدهم في أبيات شعر عن السامري:
شفَّي بطبل يصيح صياح
يلعي بجو النقيلية!
أذكر حادثتين كشواهد على استنكار بعض الفنون الشعبية قبل عشرات السنين. الأولى في عام 1360، حدث في عنيزة. رجل كان في أطراف الديرة، يجر الربابة, قبضوا عليه وحكموا عليه بالجلد. والحادث الثاني، كان في المنطقة الشرقية، عام 1950، رأس المشعاب، قريباً من السفانية. كانت رأس المشعاب مدينة ساحلية مؤقتة، يسكنها عمّال شركة خط التابلاين خلال عمليات إنشاء خط الأنابيب. مساكنها صنادق مؤقتة من الخشب والكراتين والخيام. وكان من عادة أهل عنيزة عندما يتواجدون في مكان نائي يمارسون هواية السامري. وفي إحدى الليالي، تعرضوا لهجوم مباغت من رجال هيئة الأمر بالمعروف، وأُودِعَ بعضهم السجن, وكنت حينها من ضمن الحضور, وكان محدثكم، عند سن الثامنة والتاسعة من العمر، قبل ما يقارِب خمسة وثمانين عامًا، يحضر تلك المناسبات في النقيلية دون مشاركة، حيث كان لي أقارب يزرعون المكان المسمى بالنقيلية، فأتواجد عندهم ليلة الجمعة لأحظى بمشاهدة السامري.
سامري عنيزة فنّ خاص من فنون السامري المختلفة، ولكنه يتميز بكونه أداءً فريداً، تؤديه فرقة من صفَّين متقابلين أو على شكل دائرة، بلحن خاص وحركات جماعية منظَّمة، وقابلاً لأن يتكون من ثلاثة صفوف، تتناوب حركات لعب السامري المميزة. ليس لدينا معلومات مؤكدة عن نشأة هذا النوع من السامري الذي تنفرد به عنيزة ولا من أي جهة انتقل إليها. ويظهر، والله أعلم، أنه عنيزاوي المنشأ، لما لعنيزة من سبق في مجال الفنون الغنائية الشعبية. ويغلب على الظن أن سامري عنيزة بصفته الحالية يزيد عمره عن مائة وخمسين عامًا, ولا يزال يتطور من جيل إلى جيل. ويتقنه حتى الشباب الذين لم تصل أعمارهم الخامسة عشرة، بعد التدريب.
تمارس فِرَق عنيزة للفنون الشعبية، إلى جانب العرضة النجدية المشهورة، ثلاثة أنواع من اللعب الطبولي، السامري (سامري عنيزة)، الحوطي والناقوز. الحوطي طق تقليدي كما تمارسه فرق أخرى كثيرة في المملكة، فرقة حايل، والدواسر ومعظم مناطق نجد. ومن باب لفت النظر، فهناك فارق رئيس بين حوطي عنيزة وبقية الفرق، يجدر الإشارة إليه. في عنيزة جميع أعضاء الفرقة المشتركين في اللعب يحمل كل فرد منهم طبلًا. ذلك يشمل الصفين المتقابلين. بينما الفرق الأخرى، تجد أن حاملي الطبول يكونون عددًا قليلًا أو صفًّا واحدًا وبقية اللاعبين يصفقون ويحركون أجسامهم يمنة ويسرة. وهذا فارق كبير. فعندما تشاهد فرقة؛ ما عليك إلا ملاحظة حمل الطبول وتعرف إن كانت من عنيزة أم من مناطق أخرى. ولعله من نافلة القول أن نذكر إنشاء أكاديمية تدريب خاصة في عنيزة للشباب الذين تتراوح أعمارهم حدود، من العاشرة إلى الرابعة عشرة، لتدريبهم على فنون العرضة النجدية ولعب السامري والحوطي. وهي بادرة قد تكون الأولى في المملكة. والشاهد هنا العبرة بين ما كان سائدًا في الزمن الماضي من استنكار لممارسة الفنون الشعبية وقبول وازدهار في وقتنا الحاضر. وفي عنيزة تلعب عروض الفنون الشعبية دورًا إيجابيًّا وبارزًا في مجال السياحة، وتشارك في الحفلات والمناسبات المجتمعيّة في أنحاء المملكة. وتشارك كذلك في مناسبات خارج المملكة، بدعوة من الجهات الرسمية المختصة.
وهكذا أصبح السامري الذي كان «يلعي» على استحياء وسط ليالي الصحراء في جو النقيلية، يلعي اليوم في عواصم أوروبا وأمريكا، ممثلاً للفن الشعبي السعودي وهناك توجه الآن لتسجيل فن سامري عنيزة «ماركة مسجَّلة» باسم عنيزة، باعتبار أنه نشأ في مدينة عنيزة ولا يمارِسه حاليًّا إلا شباب عنيزة.