«نصف سكان الرياض عالقون بالزحمة» ذلك ما نشرته قناة العربية 15 فبراير معتمدة على المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام، وعندها تبادر لذهني كتاب «عالق في الزحمة» Stuck in Traffic وكتاب «ما زلت عالقاً في الزحمة» Still Stuck in Traffic والتي ناقش فيها أنثوني دونش الازدحام المروري؛ ويرى أن حلها يكمن في التفكير بمنظومة حلول متكاملة ومستدامة لتخطيط النقل وليس اختزال المشكلة في مجرد زيادة استيعاب قنوات نقل حركة المركبات بتشييد المزيد من الطرق.
الأهم أن نتجنب السؤال الخطأ كيف نخفف الازدحامات المرورية؟ الذي ينتج بالضرورة الإجابات الخطأ. علينا أن نفكر بذكاء ونسأل السؤال الصحيح وهو «كيف نعيد صياغة مخطط منظومة النقل بحيث نيسر الوصولية accessibility للسكان.
تخطيط منظومة النقل يشمل جميع وسائط الحركة بداية بالمشي وركوب الدراجات، مروراً بجميع وسائل النقل العام من حافلات وقطارات وانتهاءً بالسيارات.
إن حصر موضوع النقل في المركبات هو نظرة قاصرة لأنها تهمل باقي عناصر المنظومة ومكوناتها لتختزل المشكلة وحلها في تسهيل التنقل بالسيارات mobility مما يغيب الخيارات الأخرى عن المشهد ويعيدنا دائماً للمربع الأول.
والنتيجة تفاقم وضع الاختناقات المرورية مع مرور الأيام.
ينبغي التعاطي مع مشكلة الاختناقات المرورية من منظور علم وممارسة تخطيط النقل المستدام والمتكامل مع العمران والذي نختصر بعض عناصره الأساسية فيما يلي من النقاط:
1. حلول من «جانب الطلب» تعمل على تخفيض الأحجام المرورية وتوزيعها خلال اليوم والمكان وعلى وسائط التنقل. وكأمثلة على تخفيض الأحجام المرورية: تقييد دخول المركبات لبعض المناطق، وخلال أوقات الذروة وبعض أيام الأسبوع وفرض الرسوم.
وكأمثلة على توزيع الأحجام المرورية: تطبيق مرونة أوقات العمل، والعمل من المنزل.
2. حلول من «جانب العرض» تهدف الى استيعاب الطلب على التنقل وتوفير الوصولية للسكان، وهنا النقل العام له الأولوية لأن الأخرى مثل إدارة نظام النقل باستخدام التكنولوجيا TSM لتطوير الإدارة المروية فقط يعزز دور المركبة الخاصة غير المستدام.
3. حلول من جانب تكامل تخطيط المدينة العمراني مع التنقل بالمركبات والنقل العام والمشي، والأفكار عديدة في هذا المجال منها تعزيز مبدأ «الأحياء» self-contained districts مثل مدينة الأمير محمد بن سلمان للشباب، ومفهوم التخطيط العمراني الموجه للنقل العام TOD لتوجيه التركيبة العمرانية للمدينة وإعادة صياغتها عند المحطات وعلى المحاور بما يعزز تشغيل شبكة القطارات وزيادة عدد الركاب.
هذه «المنظومة المتكاملة من الحلول» بحاجة إلى إرادة قوية وتنسيق الجهود بين الجهات الواقعة ضمن سلسلة القيمة Value Chain المتضمنة: التشريع والتنظيم والتخطيط والتنفيذ والإلزام؛ لتجنب ما ينجر عنه في كثير من الأحيان حصول العديد من الانحرافات التخطيطية والتنسيقية في كامل سلسلة القيمة واستمرار الرياض كشبكة مقفلة يعاني سكانها في الذهاب إلى العمل والدراسة والترفيه والتسوق والعودة إلى منازلهم.
خلاصة القول، يكمن الحل في تبني النقل العام متعدد الوجهات والوسائط والأهم من ذلك «تعزيز البيئة العمرانية» المؤنسنة التي تدعم جودة الحياة وتشجع على المشي وتيسر الوصول لوسائط النقل العام.
وتحقيق التكامل بين تخطيط النقل والمدن ووضع السياسات المستدامة وإيجاد التوازن بين الأنشطة الإنسانية human activities والخدمات services مع تمكين ودعم مخططي النقل والعمران ومنحهم المساحة للمساهمة في وضع الحلول وتنفيذها وعدم الاقتصار على هندسة المرور أو المغالاة في اللجوء للحلول التقنية وجمع البيانات.