الكل منا يحتفل في الثامن من مارس يومًا عالميًّا للمرأة، وهذا جيد. لكن ما يشغل بالي هو أن الله سبحانه وتعالى أكرم المرأة ومنحها حقوقها كاملة، لاسيما حقها في الحياة، حيث كانت العرب قبل الإسلام تحرّم الحياة على المرأة فتدفنها حيّة تحت التراب، فأنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم قوله جل شأنه {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (سورة التكوير؛ الآيتان: 8و9).
لقد جاء هذا التكريم للمرأة ليس فقط في يوم واحد من كل عام، إنما على مر الزمن بدءًا من ولادتها حتى وفاتها، ومرورًا بتربيتها، وتعليمها، ومنحها الفرصة لممارسة العمل على نحو يحفظ أنوثتها وكرامتها، ومن ثم منحها ما تحتاجه من اهتمام يليق بها في مرحلة الزواج لتأخذ دورها المقدس في الحياة بوصفها أمًّا ترسم صورة الأسرة في أبهى خطوطها وألوانها، فتكون نبع الأمان لأسرتها وأساس تماسك أفرادها من خلال تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة القائمة على الصلاح والرشاد. ومما لاشك فيه يتوجب على الرجل مساندتها في كل مراحلها لكي تؤدي دورها على أتم وجه، فمثلًا على الزوج أن يهيئ لزوجه الظروف المادية والمعنوية الملائمة، ويمنحها المكانة العاطفية اللائقة بها مستشعرًا قول الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الروم؛ الآية: 21)، والمتأمل في هذه الآية يتوقف مطولًا إزاء مفردة (لِتَسْكُنُوا) مستشعرًا ما تنثره من معالم المودة والرحمة بين الزوجين.
ما يشغل بالي أننا بتنا نترقب الثامن من مارس لنحمل الورود والهدايا ونقيم الاحتفالات احتفاءً بالمرأة، فإذا انتهى هذا اليوم نعود إلى حيث كنا، فتضيع تلك الورود، وتُنسى تلك الاحتفالات، ومن ثم تتواصل متاهات الإجحاف، والإكراه، والعقوق، فتكبر الخلافات، ويتيه إنصاف المرأة، وتختل معايير العدل في تقديرها. وها نحن حتى يومنا هذا لم نزل نشهد ابنًا يعقُّ أمَّه، وأخًا يفرض على أخته قيودًا ما أنزل الله بها من سلطان، وأبًا تائهًا يتسبب في، أو يتعمد، عضل ابنته الموظفة طمعًا في راتبها الشهري، وزوجًا ينكر على زوجه مكانتها، ويتطاول عليها، وفي هذا السياق لم تزل قصة ذلك الزوج الذي دونما سبب راح يعاقب زوجه بالهجر والسفه والإهمال حتى فارقت الحياة قهرًا، ولم يزل صوت تلك السيدة في مسمعي وهي تقول: «أحمل من الهم ما تنوء بحمله الجبال»، ثم أردفت: «زوجي لا يحترمني، بل يزدريني ويضربني». فوجدتني بحزن شديد أنظم عتابي لكل رجل قائلًا: إِلَيْكَ آدم:
مَا لَكَ لَا تُحْسِنُ الْإِدْرَاكَ؟ مَا أَجْهَلَكْ
مَا بِكَ لَا تَشْكُرُ النَّعْمَاءَ؟ مَا أَتْعَسَكْ
هَذَا الْحَنَانُ أَمَانٌ، عِشْ بِهِ هَانِئًا
وَكُنْ لَهُ بَاسِمًا، وَاحْضُنْ بِهِ جَنَّتَكْ
وَذَا الْعَطَاءُ سَخَاءٌ، جُدْ لَهُ بِالرَّخَا
وَذَا الْوِئَامُ اقْتِرَابٌ، مِنْكَ كَيْ يَحْضُنَكْ
حَوَّاءُ دُنْيَاكَ، فَاسْكُنْهَا بِسَمْتِ الرَّجَا
إِذْ لَا يَلِيقُ بِهَا مَقْتٌ، وَلَا مُعْتَرَكْ
انْظُرْ لِسُهْدٍ، تُلَاقِيهِ بِكُلِّ الرِّضَا
بِكُلِّ حُبٍّ، تُنَاغِي بِالْمُنَى مَبْسَمَكْ
وَبِالرِّضَا، غَادَرَتْ مَنْ فِي الدُّنَا، وَارْتَقَتْ
إِلَيْكَ، أُنْسًا وَحِيدًا، عِزُّ مَا فِيهِ لَكْ
أَمَا تَرَى، أَنَّهَا لِلْبَيْتِ نَبْعُ الْهَنَا
هَمْسُكَ أَمْرٌ، لِرِمْشِ الْعَيْنِ كَيْ تُسْعِدَكْ
تَسْعَى إِلَيْكَ، بِمَا يُرْضِي جُمُوعَ الْأَنَا
تَحْمِلُ شَكْوَاكَ، تَمْحُو عَنْكَ مَا أَحْزَنَكْ
أَمَا تَرَى الْآهَ تُنْسَى فِي فَضَا حَضْنِهَا
فَاخْلُدْ إِلَيْهَا بِلُطْفٍ، يُوهَبُ الْأُنْسُ لَكْ
وَاسْهَرْ عَلَيْهَا، وَسَمِّ اللَّهَ حَمْدًا بِهَا
وَاصْنَعْ لَهَا السَّعْدَ صَرْحًا، فِيهِ صُنْ مَهْنَأَكْ
مَاذَا دَهَاكَ، أَيَا مِسْكِينُ، إِيَّاكَ أَنْ
تَغْفُو، وَإِلَّا، سَيَغْفُو قَلْبُ مَنْ عَاشَ لَكْ
وَهَا أَنَا، أَنْثُرُ الْأَنْفَاسَ بِالْحَمْدِ؛ إِذْ
أَكْرَمَنَا اللَّهُ، مِنْ أَضْلَاعِنَا ذا الْمَلَكْ
حَوَّاءُ يَا أُمَّنَا، يَا نُورَ أَعْمَارِنَا
أَنْتِ الْأَنَا، وَأَنَا الْمَسْؤُولُ أَنْ أُكْرِمَكْ
حَوَّاءُ يَا أُخْتَنَا، يَا عِطْرَ أَيَّامِنَا
أَنْتِ الْأَنَا، قَسَمًا مِنِّي لَأَنْ أُسْعِدَكْ
حَوَّاءُ يَا كُلَّنَا، يَا تَاجَ قَامَاتِنا
لَكِ الْوَفَا، نَبْضُ وَعْدٍ، سَوْفَ لَنْ أَخْذُلَكْ
** **
- عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين