تعقيباً على مقال الدكتور محمد بن عبدالله الخازم بزاوية نقطة ضوء (الاثنين 4 مارس 2024م) بعنوان «أزمة علم النفس»، أود في البداية الإشادة بكاتبنا، فقد أجاد كعادته في طرح مواضيع حيوية ذات عمق فكري أكاديمي ومهني.
تعتبر العلوم السلوكية عصب الحياة، كون جل مشاكل العصر سلوكية والمخرج منها سلوكي في الشأن الصحي والتعليمي والاقتصادي والسياسي والتنموي والاجتماعي والأمني والعسكري ... إلخ.
من هنا جاءت أهمية العلوم السلوكية في تفسير الظواهر النفسية وتنمية وتعزيز ما كان منها سوياً إيجابياً والتصدي بالعلاج لما أشكل منها والعمل على الوقاية منه ويعتبر علم النفس هو العمود الفقري لمجموعة العلوم السلوكية كونه ينفرد بدراسة السلوك في بعده الفردي وأثره الاجتماعي، والسلوك ظاهرة من أعقد الظواهر الكونية كونه مرتبطاً بالبدن وبخاصة الدماغ من جهة والبيئة من جهة أخرى، وهنا سر تعقد الظاهرة السلوكية.
في بادرة حميدة ريادية في الوطن العربي والإسلامي وخارج حدود الدول الغربية المتقدمة تم في المملكة العربية السعودية إقرار تشريع وطني لتطوير المختصين النفسيين والعلاج النفسي بطلب من المجلس الصحي السعودي، وتم اعتماده من ولي الأمر مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - وتشرّفت بإعداد خطة هذا المشروع والمشاركة بتنفيذه مع أعضاء هيئة تدريس وخبراء مختصين وتحت إشراف جامعة الملك خالد، والذي غيّر وجه توطين علم النفس بالكلية من علم فلسفي طبوغرافي سلوكي لعلم تجريبي، ومن علم نظري لعلم تطبيقي تنموي بأهداف ومبادرات وطنية تتلخص في العلم والمعرفة والتدريب والمهارة والممارسة والتشريعات والنظم لعلم النفس.
من أهم تلك الأهداف والمبادرات وكلها على درجة واحدة من الأهمية هي إخراج علم النفس السريري من تحت مظلات كليات التربية والآداب والعلوم الاجتماعية للكليات الطبية، وبناءً عليه تمت مخاطبة كافة الجامعات السعودية من قبل وزير التعليم بناءً على طلب من المجلس الصحي السعودي وتنفيذاً للتشريع الوطني المعتمد وتم التنفيذ في العديد من الجامعات ورحل علم النفس السريري للكليات الطبية وما زالت الجامعات المتبقية في طور التعديل والقرار ملزم للجميع وليس خيارياً ولن يصبح هناك مسار لعلم النفس السريري خارج الكليات الطبية وكافة أهداف المشروع ومبادراته في طريقها للتطبيق بحول الله، خطوة متقدمة وبناءة وهادفة واستباقية خطتها المملكة بقيادة ولاة أمرها الكرام لمنهجية علم النفس العلمية والمعرفية، وكذلك تطبيقاته الحيوية والتي لا غنى عنها في وقت برز فيه دور السلوك السوي والملائم والصحي في التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة في كافة مجالاتها وعكس ذلك دور السلوك المرضي وغير الملائم وغير السوي في مشاكل وإشكاليات لا حصر لها هادمة للفرد والأسرة والمجتمع العام والمؤسساتي، فالحياة برمتها سلوك.
ختاماً أكرر شكري لجريدة الجزيرة وللدكتور الخازم على طرح مثل هذا الموضوع الحيوي والمهم.
** **
أستاذ العلوم السلوكية في الطب المشارك - استشاري علم النفس السريري والعصبي