توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والفيض الإيمانيّ للصّحابة رضوان الله عليهم في أوجِّه، فكانوا رُهبان الليل فرسان النّهار، وكان قد صلّى معهم القيام ثلاث مرّات في رمضان، ولم يداوم على جمعِهم للصّلاة رحمةً بهم خشية أن تُفرض عليهم فيتكاسلوا عنها... وعاد الفاروق رضي الله عنه، وجزاه خيراً عن الإسلام والمسلمين، وبعد أن دانت إمبراطوريّات العالم للمسلمين، واختلطوا بشعوبها، فجمع النّاس على إمامٍ للقيام... ونوّر مساجد المسلمين إلى اليوم...
عن صلاة التّراويح نتحدّث...
- تلك العبادة الجميلة المحبّبة إلى قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في رمضان...
تتزيّن المساجد قبل رمضان بكلّ بهاء، فتجدُ نساء هذا الحيّ هرعن لتنظيف وتعطير وتبخير هذا المصلّى للنّساء، وذلك المسجد جدّدوا فرشَه القديم، وآخر قاموا بصيانة جديدة لجدرانه ومرافقه استعداداً لقدوم شهر القُرآن، وهُنا يتسابقُ القوم في البذل والعطاء لاغتنام شرف المكان والزّمان...
- ويهلُ هلال شهر الخير، ويأكل النّاس إفطارهم على عجل، ويتوافدون ويتسابقون، إلى مساجدهم.
يهربون من دنياهم... وهمومهم... ومشاغلهم... ومُتعِهم... إلى بيوت الله... متطهّرين، متطيّبين، مسرعين مجيبين نداء الصّلاة جامعة...
يصطفّون بكلّ ألقٍ و محبّةٍ خلف إمامهم، بين يدي خالِقِهم، خاشعين... خاضعين... عائدين... مخبتين... منيبين.... كلّ مدارج السّالكين تجدها هُنا... يرتّل الأئمّة كتاب خالِقهم، ويصدحون ويترنّمون ولهم أنين... وتختلط خلفهم دموع الخائفين على دينهم وتقواهم، مع دموع المحبّين الشّاكرين، مع دموع المنهكين من رواسب عامٍ مضى ثقيلاً عليهم، فأسلموا نفوسهم في محاريبه، وطرحوا آلامهم بين يديه... وهمسوا في سجودهم بأدعيتهم... بأمنياتهم... رفعوا حاجاتهم إلى خالقهم، وقدّموا بين يديه ما استشكل عليهم من أمور دينهم و دنياهم، وهو الأعلم بها... ولكنها العِبادة..
- هنا لا أحساب... ولا أنساب... ولا مراكز دنيا... ولا حتّى فروق العمر لها قيمة!
التّفاضل هُنا لمن يأتي مُبكّراً، تجد الرّجل وعامله، والأب وابنه، والجدّ وحفيده... كلّهم متعاضدين متساندين وقفوا على صعيدٍ واحدٍ لكي لا يتركوا فُرجةً للشّيطان بينهم...
- حتّى شباب الحيّ، وفتياته... الذين تناهبهم العالم الإلكتروني وسرقهم من واقعهم... وبهرج الكون حولهم بألوانه الخاطفة الخادِعة... تجدهم هُنا... أظنّ ذلك الضّوء الخافت في قلوبهم مازال يضيء لهم الطّريق، رغم كلّ فتن الدّنيا التي تحاصرهم، تجدهم يعلمون في قرارة نفوسهم أن لا ملجأ من الله إلا إليه...
الله... الله... في هذا الدّين الجميل...
الذي يقدّم لنا الأرقى في كلّ شيء، ولو فهمنا مقاصد شرائعه، لتذوّقنا لذّتها... وقطفنا ثمارها اليانعة من خيري الدّنيا والآخرة... وإذا كان هذا الفضل في صلاة نافلةٍ فيه... فكيف بمن طبّق فرائضه على الوجه الأمثل...
أعاننا الله على الصّيام والقيام، وردّ شبابنا إلى مساجدهم، وحبّب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم... وأعادنا كما كنّا خير أمّة أُخرِجَت للنّاس...