في مقالات سابقة وفي وسائل إعلام تطرقت أنا وغيري إلى (المبالغة في الدّيات) وكنا نتمنى أن يكون هناك تثقيفٌ كاملٌ للشعب بعدم المغالاة في الديات، وأن يبين لهم أن ذلك لا يجوز ويخالف العقل والشرع وأن المغالاة في الدّيات تعد مخالفة للمنطق والعقل وتوجيهات الشرع الحنيف والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية جاءت في مفهومها بمنع المشقة والتشديد حيث جاء في القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وفي الحديث الشريف: «إن الله تعالى ليعطي على الرفق واللين ما لا يعطي على العنف»، «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» والعفو عن القصاص من الجاني له منزلة عظيمة عند الله وأجر عظيم. وإنه يجب أن لا يغيب عن البعض الفضل الكبير الذي أعده الله للعافين عن الناس في الدنيا بالعز والرفعة وفي الآخرة بالثواب والمغفرة، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «ثلاث أقسم الله عليهن، ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ومن تواضع لله رفعه».
ومما يثلج صدورنا عندما يحصل العفو من أصحاب الدم لوجه الله سبحانه وتعالى وفي يوم الإثنين الموافق 12-6-1445 هجري وفي ساحة القصاص في مدينة جدة عفا والد القتيل المغدور أحمد القريقري الحربي عن قاتل ابنه لوجه الله، وذلك في مبادرة ابتغى فيها الأجر والثواب من الله جل وعلا وقد جسد حميّد رجاح القريقري الحربي أبهى أشكال الإنسانية، وفي تصريح له في إحدى الصحف قال إن هذا العفو حصل وقت القصاص قد عفوت عنه لوجه الله تعالى وخاصة عندما علمت أنه وحيد والدته ولم تتمالك والدة المعفو عنه الناجي من القصاص مترك القحطاني دموعها وأجهشت بالبكاء فرحاً عقب تلقيها خبر عفو والد المقتول أحمد القريقري عن نجلها لوجه الله.
وظلت تكرر الدعاء لأهل المقتول بالدعاء لهم بالجنة والسعادة والرزق، مؤكدة أنها لم تيأس من رحمة الله، واختتمت بالدعاء للمغدور به الراحل أحمد بالجنة، وأن الله يعوض أهله، وأنها لن تنسى هذا المعروف لأسرة المقتول طول حياتها. بمثل هؤلاء نفخر جعل الله ما قام به هذا الرجل النبيل الفاضل من عفو في موازين حسناته وأن يجزل له الأجر والثواب.