د.عبدالله بن موسى الطاير
بالفصيح المال يغير كل شيء، وبالعامية الفلوس تغير النفوس، ويرى المهتمون بمتابعة الشأن السياسي الأمريكي أنه وليس هناك موضع يتجسد فيه هذا المثل أكثر من الانتخابات الفيدرالية، حيث يتم جمع مليارات الدولارات وإنفاقها، على أساس أن المال عامل حاسم في تحديد ما إذا كان المرشح سيفوز أم لا. على الرغم من أهمية المال، هناك سوابق تخالف السائد، فالمبالغ التي جمعتها هيلاري كلينتون وجيب بوش في انتخابات الرئاسة لعام 2016م كانت أكثر بكثير مما جمعه الرئيس ترامب الذي فاز بالانتخابات.
حتى اللحظة تشير إحصاءات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأمريكية أن المتنافسين في الانتخابات الرئاسية 2024م جمعوا نحو 350 مليون دولار، منها 242 مليوناً للجمهوريين، و86 مليوناً للديموقراطيين. بالطبع قائمة المرشحين الجمهوريين طويلة ولذا جاء الدعم متماهياً مع العدد، وبالنظر إلى البارزين في الحملة الانتخابية من الجانبين سنجد تقارباً كبيراً بين ما جمعه الرئيس السابق ترمب 76.5 مليون)، والرئيس بايدن (76.2 مليون). أكثر الولايات سخاءً في هذه التبرعات كانت على التوالي كاليفورنيا، فلوريدا، تكساس، ونيويورك.
لا تزال الطريق طويلة، والسباق على بعد عشرة أشهر من خط النهاية، ولتكوين صورة أكثر وضوحاً عما يمكن أن يؤول إليه تمويل الحملات الانتخابية الحالية يمكن استدعاء التمويل الذي حصدته حملات سابقة. حصد الديموقراطيون في انتخابات 2020م ثلاثة مليارات ومئتين وأربعة ملايين دولار، مقابل 793 مليون دولار للجمهوريين، وهو فارق كبير جداً. ما لوحظ من تخصيص التبرعات للمرشحين أن الصورة مغايرة لما هي عليه في انتخابات 2020، فقد كان ترمب هو المرشح الوحيد من الجمهوريين ولذلك كان نصيبه كل المبلغ الذي جمعه الجمهوريون في تلك الحملة، بينما توزع المبلغ الضخم الذي زاد على ثلاثة مليارات دولار على عدد كبير من المرشحين الديموقراطيين المتنافسين مما جعل نصيب الرئيس بايدن لا يزيد على الثلث من إجمالي ما جمعه الحزب (مليار وواحد وخمسون مليوناً)، واحتل بايدن المرتبة الثانية بعد بلومبيرغ الذي حصد أكبر مبلغ في تلك الانتخابات ولم يفز بالرئاسة. وهذا يعيدنا إلى البداية حول ما إذا كان المال هو العنصر الحاسم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
عبارة أن الفلوس تضمن الفوز بالكراسي الرئاسية محل جدل، ففي حين أنه من المؤكد أن المال يرتبط بقوة بالنجاح السياسي، إلا أن ريتشارد لاو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة روتغرز له مقاربة جديرة بالاهتمام يقول فيها إن «الفوز يجذب المال أكثر». ولأن دور المال في تنصيب المرشحين مثير للاهتمام والقلق يخضع لدراسات كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن آدم بونيكا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، والذي يدير أيضاً قاعدة بيانات الإيديولوجية والمال في السياسة والانتخابات، يؤكد على علاقة المال بالفوز، لكنه يستطرد بأن عقوداً من الأبحاث تشير إلى أن المال ربما لا يكون العامل الحاسم في تحديد من سيفوز في الانتخابات العامة. معظم الأبحاث حول هذا الأمر تم إجراؤها في القرن الماضي، ووجدت عموماً أن الإنفاق لم يؤثر على فوز مرشح بالمنصب، وأن تأثيره على المنافسين لم يكن واضحاً. وحتى الدراسات التي أظهرت أن للإنفاق الأثر الأكبر، لم تثبت أن المال سبب رئيس للفوز بحسب الأستاذ بونيكا، الذي تابع القول «إن هذه المكاسب من الإنفاق من المرجح أن تترجم إلى ميزة أقل اليوم، في فترة زمنية أصبح فيها الناخبون أكثر حزبية، ومن المحتمل أن يكون هناك عدد أقل وأقل من الأشخاص الذين سيصوتون لأنهم أحبوا إعلانك» الانتخابي.
الناشطون في أمريكا يتوقعون من السياسيين أن يمثلوا كل شخص على قدم المساواة، بغض النظر عن وضعه المالي، ويتمسكون بمبدأ «شخص واحد، صوت واحد» يعني أنه بغض النظر عمن نحن، فإن حقوقنا في الرعاية الصحية والتعليم والإسكان وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية لا تقل أهمية. ولذلك فإنهم يعتقدون أن المال السياسي يعقّد المشهد الديموقراطي؛ «عندما يتلقى السياسيون مساهمات مالية كبيرة من المنظمات أو الشركات أو الحملات أو الأفراد، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر استجابة لاحتياجاتهم، وهذا يضع أصوات الأمريكيين العاديين في وضع غير مؤات»، تجنباً للقول في سلة المهملات.