د.شريف بن محمد الأتربي
يعد التخطيط أحد أهم عوامل النجاح في أي مجال من المجالات، حيث يشار إليه بكونه: وضع مخطط لتحقيق هدف معين من خلال تحديد الموارد والمهام والإجراءات والجداول الضروريّة لتحقيقه، بحيث يُعبر الهدف عن الغرض المستقبلي الذي تسعى المنظمة للوصول إليه وتحقيقه. هناك فرق بين الهدف والخطة؛ فالهدف يُحدد الغاية المستقبلية، بينما الخطة تُحدد الوسيلة المتبعة لتحقيقه.
تقوم العملية التعليمية على أهداف عدة ترتبط كلها بسياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من السياسات، ومن ثم تنتقل مسؤولية تحقيق هذه الأهداف إلى الميدان التربوي ليدرسها ويخطط لها، ويحدد المسؤولين عن تنفيذ هذه الخطط، وهم المدرسون في أغلب الأحوال.
غالباً ما تتضمن الخطط التعليمية أهدافاً عامة، وأهدافاً خاصة، يعمل المعلمون على تحقيقها، وكثيرٌ من هذه الأهداف ذات مستويات عليا ودنيا حسب المرحلة الدراسية التي تطبق فيها، وقد جاءت فكرة التدريس التكاملي لتربط بين كل أهداف التعليم سواء الرأسية أو العرضية.
التدريس التكاملي هو نهج تعليمي يهدف إلى دمج المعرفة والمهارات من مجالات متعددة في تصميم الدروس والأنشطة التعليمية، حيث يعتمد على حقيقة أن المفاهيم والموضوعات ليست منفصلة، بل مترابطة، وبالتالي يتعين على الطلاب فهم العلاقات بين الموضوعات المختلفة وتطبيق المعرفة في سياقات واقعية.
يتطلب التدريس التكاملي تعاوناً وتنسيقًا بين المعلمين وتخطيطاً جيداً للمناهج والأنشطة التي يتم تقديمها للطلبة على مدار سنوات التعلم سواء في التعليم العام أو التعليم الجامعي، فهو يعمل على ربط المعرفة وتحقيق تفاعل بين المواضيع المختلفة بدلاً من عرضها بشكل منفصل.
يعزز التدريس التكاملي التفكير النقدي، حيث يشجع الطلبة على التفكير النقدي وتحليل المعلومات من منظورات متعددة بدلاً من حفظها كما هي بعيداً عن سياقها الذي ظهرت فيه، حيث يتعين على الطلبة تطبيق معارفهم التي اكتسبوها خلال الرحلة التعليمية في السنوات السابقة وحتى هذه المرحلة في مواقف ومشكلات معقدة تتطلب منهم تحليل الوضع بشكل عميق، وتقديم حلول مبتكرة.
التدريس التكاملي واحد من أهم أسس التعلم النشط، حيث يعتبر أسلوباً تعليمياً يشجع الطلبة على التعاون، فمن خلال الأنشطة التفاعلية والعمل الجماعي في سياقات متعددة، يتمكن الطلبة من بناء معرفتهم الخاصة وتطوير مهاراتهم الاجتماعية والتواصل.
يتيح التدريس التكاملي للطلبة فرصة لتطوير مهاراتهم العليا مثل التفكير النقدي والتحليلي والتعاون وحل المشكلات، كما أنه يعزز أيضاً استيعاب المعرفة وتطبيقها في الحياة العملية، فهو يعد نهجاً قوياً لتعزيز تجربة التعلم الشاملة وتطوير قدرات الطلبة في مختلف المجالات التعليمية.
ارتبط التدريس التكاملي بقدرات المعلمين على استكشاف التحصيل العلمي لدى طلابهم بطريقة رأسية للمقرر الواحد عبر السنوات الدراسية، وبطريقة عرضية بالتعاون مع معلمي المواد الأخرى، وكان ذلك يسبب عبئاً كبيراً على المعلمين خاصة مع إمكانية انتقال الطلبة بين الصفوف داخل المدرسة الواحدة، أو عند انتقالهم لمدارس أو مراحل صفية أخرى.
ظهر مصطلح التقنيات الناشئة ليضيف لميدان التعليم أدوات جديدة يمكنها أن تسهم وتساعد في تحقيق أهداف العملية التعليمية وقياس مخرجاتها. تضمن هذا المصطلح العديد من التقنيات منها على سبيل المثال لا الحصر: الذكاء الاصطناعي، وسلاسل البيانات، وإنترنت الأشياء، و...، حيث يستطيع أي منها أن يكون لاعباً أساسياً بمفرده ليس في مجال التعليم فقط ولكن في أي مجال يعتمد فيه كتقنية أساسية.
حين يتم توظيف التقنيات الناشئة في العملية التعليمية، يتم التركيز على تحقيق أهداف الدرس، وذلك من خلال اختيار التقنية التي تتلاءم مع هذه الأهداف وتساعد الطلبة على الحصول على المعرفة أو المهارة أو السلوك المنتظر تحقيقه. أما فيما يتعلق باستخدام نفس هذه التقنيات في الدرس التكاملي، فدور التقنية هنا رقابي بحت، حيث يتم توظيفها في متابعة تحقيق أهداف التعليم بطريقة رأسية، وطريقة أفقية، وبالتالي يمكن اكتشاف القصور المعرفي أو المهاري مبكراً، مما يتيح لهذه التقنيات تقديم حلول عاجلة لمواجهته بطريقة إفرادية تتناسب مع مستوى كل طالب وليس كل الطلبة إجمالاً، حيث تعد الخطط العلاجية لكل منهم حسب مستوى الضعف أو التأخر الموجود لديه.
إن التدريس التكاملي باستخدام التقنيات الناشئة يهدف إلى تعزيز التفاعل والمشاركة النشطة للطلاب، وتطوير مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وتعزيز التفكير النقدي والإبداع، وتوفير بيئة تعليمية متميزة تناسب احتياجات الطلاب في العصر الرقمي. ومن خلال دمج التقنيات الناشئة في التعلم والتدريس، يمكن تحقيق تجارب تعليمية مثيرة وشاملة وتعزيز استخدام الذكاءات المتعددة وتعلم الطلاب بأساليب متنوعة تتناسب مع احتياجاتهم واهتماماتهم.
يُعَدُّ التدريس التكاملي إستراتيجية فعالة لتعزيز تجربة التعلم الشاملة وتطوير قدرات الطلاب بشكل شامل. يعزز هذا النهج الفهم العميق والتعلم النشط والتفكير النقدي والتواصل الفعَّال. بالاستفادة من التدريس التكاملي، يمكن للطلاب تحقيق نجاح أكبر في التعلم وتطوير مهاراتهم اللازمة لمواجهة التحديات في مجتمعنا المتغير، كما يمكن مراقبة مدى تقدمهم العلمي والمعرفي والمهاري، والمسارعة في توفير العلاجات والحلول التي يمكن أن تكون مسببة لهذا القصور.