د.شريف بن محمد الأتربي
ترادفاً مع ما تقدمه وزارة التعليم من خدمات تعليمية لأبناء المجتمع ضمن رؤية المملكة 2030 في مجال جودة الحياة وتحسين المخرجات التعليمية؛ تأتي هيئة تقويم التعليم والتدريب كهيئة منفصلة لتوفير أدوات قياس هذه الخدمات التعليمية ومدى تحقيقها للمستهدفات المرجوة.
وخلال هذه السلسلة من المقالات سأستعرض بعض الخدمات والمنتجات التي تقدمها الهيئة والتي تعتبر أول جهة تعليمية في العالم يتم نقل تجربتها إلى أكثر من 80 دولة، وأريد أن أشير بداية إلى أن كل هذه الجهود التي تبذلها الهيئة ورجالاتها وعلى رأسهم معالي الدكتور خالد السبتي يمكن أن تذهب أدراج الرياح ما لم يكن تطبيق البرامج والخدمات التي تتيحها وتقدمها الهيئة هدفه تحسين التجربة التعليمية للطلبة وليس تحسين صورة المدرسة أو الإدارة التعليمية.
يعد تطبيق «مستقبلهم» واحداً من أهم منتجات الهيئة من وجهة نظري الشخصية، حيث يعزز مشاركة أولياء الأمور في تحديد مستقبل أولادهم وليس فقط مشاركتهم في الرحلة التعليمية من دروس وواجبات واختبارات. لقد كانت مشاركة أولياء الأمور في تحديد مستقبل أولادهم مبنية على رؤية وحلم شخصي لولي الأمر وتطلعه ليكون ابنه أو ابنته مهندساً أو طبيباً، أو حتى عالماً فيزيائياً، وخلال رحلة الطفل التعليمية يتعرض لضغوط فائقة من والديه لتحقيق حلمهما هما وليس حلمه هو في مستقبله الذي سيعيشه من خلال اختيار تخصص يلبي طموحه ورغباته.
يهدف تطبيق «مستقبلهم» إلى تمكين أولياء الأمور من تقويم ومتابعة مستوى أبنائهم التحصيلي، ومدى تقدمهم في العملية التعليمية، ومقارنة أدائهم مع أقرانهم، كذلك إتاحة التقويمات المتعلقة بمدارس الأبناء لتعزيز مشاركة ولي الأمر فيها، إلى جانب اطلاع أولياء الأمور على أثر كافة الاختبارات الوطنية والدولية المؤهل لها أبناؤهم في مستقبلهم الدراسي وأهمية مشاركتهم فيها، وأخيراً يهدف التطبيق إلى تعزيز خبرات أولياء الأمور في بناء شخصيات أبنائهم، وتنمية حس المواطنة والمسؤولية لديهم.
وضعت الهيئة عدة مقاييس لتحقيق هذه الأهداف، تشمل مقاييس المستوى، ومقاييس التهيئة والتدريب. مقاييس المستوى تساعد في تشخيص وقياس القدرات والمستويات المعرفية والتحصيلية لدى الأبناء من خلال المقاييس التكوينية التي تقيس المستوى المعرفي والمهاري للطالب، ومقاييس اللغة العربية للصغار، وهو مقياس غير مرتبط مباشرة بالمنهج الدراسي، وإنما يعمل على قياس القدرات اللغوية للطالب بشكل عام. أما مقياس قدراتي، فهو سلسلة من المقاييس التي تحدد المستوى المهاري للطالب في القدرات العامة، مثل مهارة الفهم، ومهارة التحليل، ومهارة الاستدلال، ومهارة التطبيق. تركز هذه المقاييس على معرفة استعداد الطلاب للتعلم، كما أنها تحاكي اختبار القدرات العامة للمرحلة الثانوية والخاص بالقبول الجامعي.
على الجانب الآخر تأتي مقاييس التهيئة والتدريب والتي تشمل التدريب على اختبار القدرات العامة، واختبار التحصيلي، وهذان الاختباران بالذات أوجدا سوقاً رائجاً للدروس الخصوصية بحيث أضيف إلى عبء الأسرة المالي في التعليم عبئ جديد خاص بهذه الاختبارات والتي أصبحت مصدر تربح للعديد من الأشخاص ربما لا يكونوا أصلاً مهيئين لها، ولكن السوق كبير والاحتياج أكبر من المتاح، وقيام الهيئة بتوفير مثل هذه التدريبات ربما يحد مستقبلاً من هذا الاستنزاف المادي لمدخول الأسرة السعودية.
أخيراً يأتي التدريب على كفايات اللغة الإنجليزية STEP والذي يكشف مدى تقدم الطلاب في مهارة اللغة الإنجليزية كما في اللغة العربية، خاصة مع الضعف الشديد في مخرجات هذه المادة ومواجهة الطلاب الراغبين في استكمال دراستهم خارج المملكة صعوبات كبيرة في ذلك خاصة مع شرط إتقان اللغة الإنجليزية كشرط من شروط الالتحاق بهذه الجامعات.
إن تطبيق «مستقبلهم» هو خطوة جبارة وعملاقة في إطار إشراك ولي الأمر في التخطيط للمستقبل بشكل صحيح وليس فقط دفع الأبناء نحو مستقبل ليس مهيأً لهم، وقد روى لي أبنائي الكثير من القصص حول زملائهم الذين تنقلوا بين العديد من الجامعات والكليات لعدم قدرتهم على استكمال العملية التعليمية التي رسمها لهم الوالدان بدون مقاربة ذلك بقدراتهم المهارية والمعرفية، بل إن واحداً من هؤلاء يحكي لي ولدي أنه أخيراً تخرج وقد قارب على الخامسة والثلاثين من عمره.