ارتبط لقب (الموحد) بالملك عبد العزيز لسببٍ رئيس، وهو أنه - طيب الله ثراه - وحّد المملكة العربية السعودية. وقد تمت عملية التوحيد تلك في عام 1351هـ - 1932م، ثم أُعلن الاسم الرسمي لهذا الكيان العظيم، حيث أُطلق عليه (المملكة العربية السعودية). ومنذ ذلك الحين، أصبح اليوم الذي أطلق فيه ذلك الإعلان يوماً وطنياً تحتفي به المملكة العربية السعودية في كل عام.
لكن من يعيد استقراء تاريخنا الوطني سيجد عدداً من معاني التوحيد ارتبطت بالموحد العظيم، وفي هذه الأسطر اليسيرة استعراض لبعض تلك المعاني:
أولاً: توحيد العقيدة؛ إذ إنه ليس سراً أن الجزيرة العربية عموماً، ووسطها خصوصاً قد عانى لعدة قرون من انعدام الأمن؛ مما أدى إلى انتشار الجهل والبدع والخرافات. ومنذ أن تأسست الدولة السعودية الأولى، حمل الأئمة من آل سعود مشعل النور والعلم الذي بدد ظلمة الجهل. وفي عصر الملك عبد العزيز، تضاعفت تلك الجهود، وسارع الملك عبد العزيز في وقتٍ مبكر من عمر الدولة إلى طباعة ونشر الكتب العلمية قبل أن يكون في الجزيرة العربية مطابع ودور نشر، حيث كان يرسل الكتب العلمية إلى الهند ومصر لتطبع هناك، فبلغ ما طبع من الكتب العلمية ما يزيد عن المئة ألف قبل أن يكمل الملك عبد العزيز توحيد المملكة، ومن المؤكد أن ما طبع بعد ذلك أضعاف مضاعفة. ولا شك أن لهذه الجهود الكبيرة أثرٌ ملموس في القضاء على الجهل والبدع والخرافات، حتى أصبحت المملكة منارةً من منارات العلم في عالم اليوم بفضل الله - عز وجل - ثم قيادتها التي انتهجت نهج العلم والعمل.
ثانياً: توحيد القلوب؛ حيث إنه من المعلوم أن العالم الإسلامي منذ وقتٍ مبكر انقسم إلى طوائف ومذاهب شتى، بعضها متقاربة، وأخرى متناحرة. وقد امتد هذا الاختلاف - بكل أسف - إلى المسجد الحرام، فأصبحت تقام فيه أربع جماعات؛ جماعة لأتباع المذهب الحنبلي، وجماعة لأتباع المذهب المالكي، وجماعة لأتباع المذهب الشافعي، وجماعة لأتباع المذهب الحنفي، وربما أقيمت جماعات أخرى لمذاهب وطوائف شتى. ومثل هذا الأمر يزيد من الفرقة بين المسلمين، ويذكي نار الكراهية في قلوبهم، ولم تسع الدول التي أشرفت على الحرمين الشريفين قبل العهد السعودي إلى محاولة رأب ذلك الصدع، ولم شتات قلوب المسلمين، حتى قيض الله لهذه الأمة الملك عبد العزيز، فكان من أولى الخطوات التي اتخذها هي توحيد الصلاة في المسجد الحرام خلف إمامٍ واحد. فتوحدت القلوب بعد الاختلاف، بفضل الله - عز وجل - ثم بفضل الملك عبد العزيز. ولو لم يكن له من أعمال في المسجد الحرام سوى هذا العمل لكفاه، كيف وأعماله أكثر من أن تحصى في مقالٍ واحد؟! ولك أن تتخيل كيف سيكون حال المسلمين اليوم من الفرقة والاختلاف لو أن المسجد الحرام لا يزال يشهد أربع جماعات وأربعة أئمة على الأقل في أوقات الصلاة؟!
ثالثاً: توحيد القيادة السياسية؛ إذ إن هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة التي قامت عليها المملكة العربية السعودية كانت مقسمة إلى خمسة أو ستة كيانات سياسية على الأقل، وكانت معظمها مختلفة متناحرة. وهذا بطبيعة الأولى لا يعني سوى الضعف والهوان على كل المستويات، سواءً كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية. وبعد توحيد القيادة السياسية على يد الملك عبد العزيز أصبح الأعداء إخوة بفضل الله - عز وجل - ثم بفضل الملك عبد العزيز، وشكّلت هذه الرقعة الجغرافية قوةً سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مؤثرة في عالم اليوم.
وفي الختام، فإن معاني التوحيد في تاريخ الموحد - طيب الله ثراه - متعددة، ولا نزال إلى يوم الناس هذا نعيد استقراءها ونتلمس آثارها. وما سطرته هنا ليس سوى غيضٌ من فيض.
- الملك عبدالعزيز
- صحيفة أم القرى تسلط الضوء على إسهامات الملك عبد العزيز في نشر الكتب وطباعتها. صحيفة أم القرى، ع214، س5، 21 شعبان 1347هـ - 1 فبراير 1929م، ص1.
**
- منصور بن سليمان الشريدة/ قسم التاريخ - جامعة الملك سعود