الثقافية - علي القحطاني:
يعد هذا الكتاب الجديد «إشكالات النقد الثقافي: أسئلة في النظرية والتطبيق «للناقد الدكتور عبد الله الغذاميّ متمماً للكتاب الذي صدر في بداية الألفية الثالثة بـ (النقد الثقافي، مقدمة نظرية وقراءة في الأنساق الثقافية العربية)، وحسب ما جاء في مقدمة الكتاب الجديد أنه مرّ ربع قرن على صدور كتابه «النقد الثقافي» عام 1421هـ/2000م وواجهت فصول كتابه أسئلة تعمّقت وتقوّت عند المؤلف وإلحاح الباحثين على طرحها ممّا دعته إلى فتح مشروعات جديدة في آفاق النقد الثقافي كما يتضمن كتابه إثراءً وإيضاحاً في بعض المسائل النقدية والثقافية، وفي لقاء د.عبد الله الغذامي مع «الثقافية» تحدث عن الفرق بين «النقد الثقافي « و»شعرية الثقافة « و»التاريخية الجديدة» كما يشير د. عبد الله الغذامي إلى أن نظرياته تُرجمت إلى اللغات الفرنسية والألمانية والصينية والفارسية، وفي الطريق ترجمات إلى الروسية وحُظيت نظرية «النقد الثقافي» بندوات في بريطانيا وأمريكا وإيطاليا في دعوات وجّهت إليه لعرض أطروحته، وصدرت أكثر من سبعين رسالة ماجستير ودكتوراه عن نظريته «النقد الثقافي عند الغذامي» في جامعات أجنبية وعربية كما تحدث د. الغذامي عن اهتمامه بالفلسفة منذ بداية بعثته الدراسية إلى بريطانيا وأنه استفاد من مشرفه المستشرق الهولندي «جوتيه ينبول» المنهجية والعلمية والجدلية العلمية، أكثر من مجرد إشرافه على أطروحته العلمية، وكان خاتمة اللقاء عن كتابه القادم «المتنبي» الذي كتب حوله أكثر من خمسين توريقة.
طبيعة الجملة
ما الفرق بين «النقد الثقافي» و»شعرية الثقافة» أو «التاريخية الجديدة»؟
الفرق يأتي من طبيعة الجملة المعبر بها عن المقولة، فـ»النقد الثقافي» يقوم على نظرية محددة بأصولها ومنطلقاتها ومصطلحاتها، وهي ذات منهجية إجرائية هدفها الحفر عن المضمرات النسقية في الخطاب الثقافي، الشعري والفلسفي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وكل خطاب تتجلى فيه الذهنية البشرية بما في ذلك السلوك الاجتماعي الذي تعبر عنه الأمثال والصيغ التعبيرية المترسخة في الخطاب البشري لغةً وسلوكاً، أما «شعرية الثقافة» فتشير إلى الجانب الجمالي في الثقافة، وهذا منشط مختلف تمام الاختلاف، أما «التاريخانية الجديدة» فهي وجه من وجوه النقد الثقافي، وقد أشرت لذلك في الفصل الأول من كتابي ( النقد الثقافي )، وهي بعبارة محددة أحد وجوه النقد الثقافي، وليست كل ما في الأمر بما أنها لا تفي جانب النسق المضمر كما هي حال النقد الثقافي.
مصدر النظرية والآخر
تبدو أطروحاتك في النقد الثقافي دعوة نظرية قائمة بذاتها هل كان لها صدى في الدوائر النظرية في الغرب والغرب عادة هو مصدر النظرية الأدبية والثقافية؟
تمت ترجمة نظريتي في النقد الثقافي إلى اللغة الإنجليزية وصدرت في كتاب، وكذلك ترجمة كتاب» المرأة واللغة «إلى اللغات الفرنسية والألمانية والصينية والفارسية، وتمت ترجمة كتاب «اليد واللسان «إلى الفرنسية، وفي الطريق ترجمات إلى الروسية ومزيد إلى الإنجليزية، وكما حظيت نظرية «النقد الثقافي» بندوات في بريطانيا وأمريكا وإيطاليا في دعوات وجّهت لي لعرض أطروحتي، أما الجانب التطبيقي فقد صدرت أكثر من سبعين رسالة ماجستير ودكتوراه عن نظرية النقد الثقافي عند الغذامي في جامعات أجنبية وعربية .
موت المؤلف وتحرير النص
دعوى قضاء «النقد الثقافي «على «النقد الأدبي» قضى على أي قيمة للأدب والجماليات الفنية فهل يمكن أن يكون هذا مبرراً لقيام فكرة النقد الثقافي أليست هذه دعوى برجماتية للنقد الثقافي؟
الذي قلته هو( موت النقد الثقافي ), وهذا تعبير اصطلاحي يماثل تعبير ( موت المؤلف ) وهي إشارة إلى إزاحة المؤلف عن النص وتحرير النص من هيمنة مؤلفه عليه، وإذا قلنا مثلاً إن المتنبي شاعر فحل وعبقري وهو أهم شاعر عربي وأخطرهم في احتلاله للذاكرة الثقافية العربية فهذه صفات قد تحمل حصانات لشعره تجعله فوق النقد أو في الأقل تجعله أقوى من النقد، وهنا تأتي مقولة موت المؤلف لتزيح هذه السلطوية لشخصية المؤلف كي يصبح النص مفتوحاً على الفهوم، وعلى النقود بطلاقة لا قيد عليها، وكذلك فإن «النقد الأدبي» سيطر على النصوص لقرون عديدة، ولكي نتمكن من إحداث ثغرة تدخل عبرها نظريات النقد الثقافي لا بدَّ من إزاحة هيمنة البعد الجمالي للنصوص وتغلبه على قراءاتنا للنصوص بمعنى أننا تدربنا على تذوق النصوص والتمتع بجماليّاتها، ومن ثم سيطرت الجمالية علينا وغفلنا عن نسقيات النصوص، وهنا لا بد من موت النقد الأدبي كموت المؤلف وعزله عن النص ومعه أيضاً نعزل سلطة الجمالي لكي نحفر عن النسقي ، وهذا هو معنى المقولة وليست المسألة القضاء على النقد الأدبي فهو ضروري للنقد والتدريب على منهجيات النقد، وقد قلت في كتابي عن أهمية منهجيات النقد الأدبي، وإنها منهجيات عظيمة ومجربة، ولها قرون من التدريب، ولكن يجب تطوير هذه المنهجيات، ولذا طرحت مفاهيم التورية الثقافية والمجاز الكلي والجملة الثقافية والمؤلف المزدوج والشعرنة بدل الشعرية، ولعل كتابي الأخير عن ( إشكالات النقد الثقافي ) يزيد في توضيح وشرح هذه المصطلحات التي هي في أصلها مصطلحات في النقد الأدبي وتم فتحها لتتجه نحو مستهدفات النقد الثقافي .
الهروب إلى الفلسفة
كانت هناك اهتمامات من الدكتور الغذامي بـ»الفلسفة»، هل وجد في «الفلسفة» مهرباً من الأسئلة الذاتية المعرفية؟
شكراً على هذا السؤال، فالفلسفة كانت مصاحبةً لي منذ بداية بعثتي إلى بريطانيا في مطلع السبعينيات وقد وقعت حينها في نقاشات عن الإلحاد والإيمان مع طلاب أوروبيين أولاً ثم مع مشرفي جوتيه ينبول، وهو مستشرق هولندي، وكان ملحداً ويحاضر كثيراً محاضرات عامة في نقد الديانات كلها مع إنكاره التام لوجود الخالق، وكانت تقوم بيني وبينه مناقشات قوية حول الخالق، وساعد فيها أن علاقتي معه علاقة صداقة وتقدير مشترك وكنا معاً موضوعيين في النقاش وكان صدره رحباً، ومن أجل مجاراة علميته وثقافته العميقة في الفلسفة احتجت للتزود الفلسفي وساعدني حضوري مستمعاً في بعض محاضرات في قسم الفلسفة وحضور محاضرات حرة كانت تقام يوم السبت وهو يوم عطلة بمبلغ مالي لا يثقل ميزانية الطلاب، وتمتد المحاضرة الواحدة لخمس ساعات مكثفة وتكون عن شخصية فلسفية مثل كانط أو هيجل أو عن مفهوم فلسفي محدد مثل مفهوم العقل المطلق عند هيجل وهكذا، مع مفاهيم وشخصيات ومدارس فلسفية، والمحاضرون من المتخصصين في تلك الشخصية أو تلك المدرسة، ولذا يضغط المحاضر كل ما حول موضوعه في خمس ساعات تعطيك كل المقولات الهامة عن فيلسوف واحد أو نظرية محددة، ثم يشفعها في النهاية بقائمة كتب وبحوث لقراءات للمستزيد، وقيمة كل جلسة جنيه واحد نضعه في كرتون على مدخل القاعة، والحضور يصل لأكثر من ثلاثمائة شخص وهو حضور حر وبلا شروط غير ذاك الجنيه، وهذا مكسب مادي للمحاضر بالمجمل، ومكسب علمي للحضور، وهذه زودتني برصيد أتزود به في نقاشاتي مع أستاذي الذي امتدّت النقاشات معه طوال زمن بعثي معه وهي أربع سنوات، وطبعاً لم أقنعه ولم يقنعني أيضاً، ولم يكن نقاشنا يهدف للإقناع، ولكنه نقاش مناظرة ومجادلة بين أستاذ وطالبه، ولهذا وجدتني أقوم بإقناع نفسي أكثر من إقناع لغيري، هذا دربني في حياتي العلمية كلها أن أكون في أي حوار شارحاً لفكرتي وليس داعياً لها ولا مسوقاً لها ولا ناصحاً ولا موجهاً، والحوار عندي هو لشرح الفكرة وليس لفرضها، وهذه دربة خرجت بها من علاقتي مع جوتيه ينبول، وتعلمت من تلك التجربة الفارقة، ولذا فقد استفدت من مشرفي المنهجية والعلمية والجدلية العلمية، أكثر من مجرد الإشراف على أطروحتي.
السيرة الذاتية
نجد أن سيرتك الذاتية متفرقة بين سيرة ثقافية «حكاية الحداثة « وسيرة روحية في «القلب المؤمن» متى نرى السيرة الكاملة للغذامي؟
يبدو إني قسمت جسمي في جسوم كثيرة، أي أني وزعت سيرتي دون قصد ولا تعمد، وجعلتها نتفاً، فهي موزعة بين ما تفضلتَ بذكره في سؤالك ويضاف لها كتاب الجهنية وكتاب اليد واللسان وكتاب حكاية سحارة، وكذلك لقائي في برنامج ( مخيال ) بثلاث حلقات رويت فيها أهم محطاتي السيرية. وبهذا ضاع دم سيرتي بين قبائل الكتب واللقاءات.
الكتاب القادم
ما الذي يشغلك من الأفكار والمؤلفات في المرحلة القادمة، وهل لنا أن نعرف مسمى كتابك الجديد؟
بين يدي كتاب عنوانه ( اللابس المتلبس ) وهو عن المتنبي حيث اكتشفت مقدار هيمنة المتنبي على تفكيري وشدة حضوره الذهني عندي، فواجهت هذا الحضور بالتشابك معه، وكتبت حوله أكثر من خمسين توريقة، وهي لب كتابي هذا وسيصدر قريباً بحول الله.
** **
@ali_s_alq