لم تقتصر تأثيرات الثورة الرقمية التي كست حياة البشر خلال السنوات الماضية على مجرد الشكل فحسب، بل تجاوزتها إلى جوانب أكثر عمقًا وأشد تأثيرًا؛ فبينما كان آباؤنا وأجدادنا يعانون من أجل الحصول على بعض الكتب، بل مجرد أسمائها، أصبح الحصول على بعضها رهين نقرة زر من لوحة المفاتيح، أو لمسة من شاشة، أو حتى نطق اسمه قرب أحد الأجهزة الذكية لكي يصبح الكتاب الذي صدر قبل لحظات في أقصى بقاع العالم بين يدي أي شخص لديه شاشة واتصال بالشبكة العنكبوتية.
لذا فقد تغيرت المشكلة من كونها شحًّا في المعلومات في حقبة زمنية ماضية إلى زيادة فيها إلى حد الغثيان، حتى أصبح من الصعب على أي شخص أن يميز الغث من السمين، وأن يتبين الصحيح من غيره.
ورغم أنه ليس هناك فرق في الجوهر ما بين الثقافة الورقية والرقمية حينما يكون الحديث عن كتاب ما أو مادة خبرية ما، فإن القارئ الذي كان يجد أمامه كتابًا واحدًا مثلًا أو اثنين في مجال ما، وكان يسهل على المؤلف أن يوجهه أو يقنعه بوجهة نظره بسهولة ربما، وذلك بسبب محدودية المصادر؛ أصبح الأمر أكثر صعوبة على المؤلف في ظل سيل الكتب والمعلومات المتوفرة للقارئ أو الباحث. وفي المقابل فقد أصبح الأمر أكثر سهولة بكثير على القارئ أن يميز بين الصحيح والخطأ إذا أراد ذلك وتوفر له الوقت.
أتذكر عندما كنت في سنتي الثانية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (1979م) وقعت يداي على كتاب عنوانه (كيف تتخلص من النظارات)، للدكتور أمين رويحة، الذي يقوم على أساس مختلف عن السائد في علاج قصر النظر وطوله، حيث يشرح للقارئ مجموعة من التمارين الخاصة بالعيون، التي يمكن أن تؤدي إلى التخلص من النظارات. وقد قرأت الكتاب في مدة قصيرة، وحاولت تطبيق ما به لكوني كنت أكره النظارات قبل أن تصبح جزءًا من شخصيتي، ولم أفلح في ذلك ولم أستطع آنذاك التحقق من صحة أو خطأ ما ورد في الكتاب. ولو كان في ذلك الزمن انفتاح رقمي لكان من السهل علي أن أتأكد من ذلك، وربما لم أكن لأشتري الكتاب من الأساس.
لكن وعلى الرغم من سهولة الوصول إلى المعلومة هذه الأيام فإن الانشغالات الرقمية المتنوعة تجعل كثيرين يعزفون عن الرزين منها والصعب، ربما لصالح الصورة والفيلم والتطبيقات الرقمية والألعاب الإلكترونية.
** **
- يوسف أحمد الحسن