مات ولم أعرف بخبر رحيله عن دنيانا إلا بعد مضي شهر، كنت أدير محرك البحث (قوقل) مصادفة، فإذا بالخبر المؤلم يفجعني بوفاة الأخ الفاضل د. عبدالعزيز المشعل - رحمه الله- مات في هدوء تام وبلا جلبة، باستثناء بعض المقالات القليلة والتغريدات السريعة التي كتبها بعض الأصدقاء والمحبين.
أهكذا يموت من عشق المخطوطات والكتب النادرة، وخصص جزءا من ثروته من أجل الكتاب؟ ولو كان مطرباً لشغل خبر وفاته كل مواقع التواصل الاجتماعي!
عرفت الأخ د. المشعل من 25 عاماً تقريباً، وكان السبب في تعارفنا هو الأخ الورّاق الشهير أحمد كلاس، الذي كانت له مكتبة تجارية شرق مقبرة العود أطلق عليها اسم (مكتبة التراث) وخلفها يقع بيته في شارع ضيق ومزدحم، وبينما كنت أزوره في إحدى المرات، طلب مني فجأة وبلا ترتيب مسبق أن أرافقه إلى مكان ما لم يفصح عن اسمه، فانطلقنا بعد صلاة المغرب مباشرة على سيارتي باتجاه حي الشميسي، وبعد أن تجاوزنا المستشفى انحرفنا إلى اليمين قليلاً، ووجدنا أنفسنا أمام مستودع ضخم - كان في الأصل مستودع أدوية طبية- وحينما دلفنا إلى داخل هذا المستودع فإذا بي أرى مكتبة كبيرة لم أشاهد في حياتي في مثل ضخامتها واتساعها، فلقد كانت عامرة بنفائس الكتب النادرة والقديمة، وفي جميع التخصصات، إلى جانب مجلدات نادرة من الكتب باللغتين: الفرنسية والإنجليزية التي طبعت في القرنين: الثامن عشر والتاسع عشر، ومئات المجلدات من بعض المجلات المصرية القديمة مثل: اللطائف المصورة والدنيا المصورة والهلال وكل شيء والدنيا والبعكوكة والمصور وآخر ساعة والفتح والرسالة والثقافة - قبل أن تنشر ظاهرة تصوير المجلات القديمة- عدا كتب كثيرة متناثرة وملقاة على الأرض لم تستوعبها الرفوف الممتلئة!
وحينما لاحظ الأخ كلاس شدة انبهاري بهذه المكتبة الفريدة علق قائلاً: «هذه هي المفاجأة، أعرفك بالأخ الدكتور عبدالعزيز المشعل (صاحب هذه المكتبة)» ومن ذلك اليوم صرت زبوناً لهذه المكتبة النفيسة وكثير التردد عليها خاصة من بعد صلاة العصر، وقد اشتريت منها مجموعة لا بأس بها من الكتب القديمة في حدود إمكاناتي آنذاك، ومن ذلك كتابان نادران للأستاذ فهد المارك هما: صدى زيارة شبل الجزيرة إلى لبنان، وصدى زيارة شبل الجزيرة إلى سوريا، واشتريت أيضا بمبلغ زهيد أكثر من 10 روايات للأستاذ نجيب محفوظ مهداة بخط يده إلى الأستاذ فتحي رضوان - أول وزير للإرشاد القومي بعد الثورة- وهي من الكتب التي أعتز بها كثيراً في مكتبتي الخاصة.
كان د. المشعل يهاتفني بين حين وآخر، وكان يطلب مني في كل مكالمة أن أزوده بأرقام من يرغب في بيع مكتبته الخاصة من الأدباء، فزودته برقم الأستاذ وديع فلسطين، وقد علمت من الوديع في رسالة خاصة أن الأخ المشعل زاره في شقته، وأنه رفض بيع مكتبته، ثم علمت من د. المشعل أنه زار د. حسين مجيب المصري في بيته، ولم يتحمس لشراء مكتبته؛ لأنها كبيرة وغير منظمة، وجزء كبير منها تعرض للنمل الأبيض، وصاحبها رجل كفيف، مما جعله يشفق عليه في شيخوخته.
جمعتني لقاءات متعددة بالأخ د. المشغل في معرض الرياض الدولي للكتاب، وآخر لقاء بيننا كان في عام 1437هـ/ 2015م، حينما أقامت دارة الملك عبدالعزيز ندوة كبرى عن المؤرّخ عثمان بن عبدالله بن بشر في مسقط رأسه جلاجل، وكان لقاءً عابراً لم يزد عن بضع دقائق. رحمه الله وغفر له.
** **
- سعد بن عايض العتيبي