سكونٌ يتبعه سكون.. ورمضاء تمتد على كل الطرق.. وسمومٌ تعبث بكحل عينيها، تتسلق خطواتها كلّ الظنون تعفّر أنوف الساخرين من ثباتها، المراهنين على ضعفها.. تعبر بطهرها كل محاريبهم تُسْكِنُ ثكناتهم فتات المسك.
تمضي بوجه طفلٍ خرج بدفوف عقيقته نحو مراسم دفن أبيه يكسو أمه من مهده ثوب الحداد! ينفضُ سجوفَ الشمس الشفيفة الفاصلة بين الضحك والبكاء.. يجمع الحروف الهاربة من أفواه العابرين نحو الشفق، ثم يتلاشى معهم تاركاً للغروب ما قلد من تمائم.
تمضي كقنديل بحر يقتاد الأمواج ويعيد لثكالى الأشجار كل المراكب.. تعبر نحو الضفة الأخرى بقرابين الولاء لسيد قلبها.. تُودِعُ بطن الحوت اسمه المبلل بالظمأ، تزرع تحت ظل اليقطين ما ترك من ذكريات وما ينتظر من أمنيات.. تحمل سمته وتتنطق بوقاره. تطفو فوق الماء تحمل الحنين المورق دفئاً، المنساب صدى يطوف حاملاً لهفتها للفضاء الرحب وللمدى البعيد.. لصوت المطر يوقظ أطياف البوح الناجية من أغلال الصمت.. الجاثية فوق حنجرتها وجعاً لا ينفك.. يستجلب الفرح ضوءاً من قدسية الليل؛ لتبذره في وجه الصباح.. وتهديه لروحه.. تنحت من ضلعه الأعوج مجاديف العبور، تضم كفيها؛ لتحفظ تفاصيل صوتها وهو يطرق سمعه بالبشرى:
ستُكنّى بغيري يا أنبل ملامح وجودي!
** **
د.عائشة بنت دالش العنزي - أكاديمية / جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن