الثقافية - كتب:
صدر كتاب: «فضاء الأندلس - مقاربات في الأدب الأندلسي»، للأستاذ الدكتور: خالد بن عبدالعزيز الخرعان، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك في 477 صفحة من القطع المتوسط، في ثلاثة أبواب، ويقول الخرعان عن كتابه: «فقد زخرت بلاد الأندلس بحضارة إسلامية وعربية على مدى ثمانية قرون، وأسهمت هذه الحضارة في كثير من العلوم والمعارف وفنون العمارة وغيرها من المجالات. وكان للنتاج الأدبي نصيب وافر من ذلك الإرث، حيث حظيت بلاد الأندلس بأعلام من الشعراء والأدباء أثروا المكتبة العربية بالدواوين الشعرية، والمدونات الأدبية؛ فأضحت منهلاً للقراء والباحثين بما اشتملت عليه من موضوعات متعددة، وبما اتسمت به من ثراء لغوي وثقافي. وسيقدم في هذا الكتاب بعض هذه الموضوعات التي كونت ظاهرة في النتاج الإبداعي الأدبي؛ ونظرا لتنوعها، وتعدد المناهج النقدية التي وظفت في دراستها فقد اخترت «فضاء الأندلس مقاربات في الأدب الأندلسي» عنوانًا لهذا الكتاب؛ ليكون شاملاً لهذه الإضمامة من الموضوعات التي جُعِلَتْ في ثلاثة أبواب.
ولأهمية معرفة ملامح الثقافة الأندلسية فقد وضع الباب الأول بعنوان (دراسات في معالم الثقافة الأندلسية)، مشتملا على فصلين؛ الأول: ألقاب الشعراء الأندلسيين: دراسة في دلالتي المضامين والأبنية؛ لأن الألقاب إحدى الظواهر البارزة في البيئة الأدبية الأندلسية؛ وذلك لما تضمنته من دلالات نقدية وتاريخية واجتماعية، وقد جعلت هذا الموضوع في صدارة هذا الكتاب لما اشتمل عليه من بعض الملامح في الأدب الأندلسي بصفة عامة، لارتباط تلك الألقاب ببواعث نقدية، وموازنة مع بعض أعلام الشعر العربي في المشرق والأندلس، وكذلك لارتباطها ببعض البواعث الاجتماعية؛ وهو ما يبين مدى عناية الأندلسيين بالأدب، والإسهام في فنونه المتنوعة.
وإذا كانت ألقاب الشعراء من الملامح الثقافية العامة فإن التواصل الأدبي على مستوى الأسرة يعد من الملامح الثقافية الأندلسية الخاصة؛ لذا جعلت الفصل الثاني بعنوان (الأبوة والبنوة في الشعر الأندلسي : دراسة وفق منظور سيميائيات الأهواء)؛ وذلك بدراسة الأشعار التي دارت بين الآباء والأبناء في موضوعات عدة، وتتسم هذه الأشعار في الغالب بالعاطفة؛ لذا وظف منظور سيميائيات الأهواء في دراستها وتحليلها؛ لعناية هذا المنظور بمحددات العواطف والمشاعر بالاستعانة ببعض العلوم الأخرى كعلم النفس وعلم الاجتماع؛ ليصل إلى أثر العواطف في سطح الخطاب للأشعار التي دارت بين الآباء والأبناء.
وأما الباب الثاني فقد ضم أبحاثا عُنيت بدراسة الخصائص النصية؛ فاختص بأبحاث في الإنشائيات الأندلسية، وسيعرض في فصله الأول (التفاعل النصي في الرسائل العينية) التي دارت بين أديبين من أدباء الأندلس، وقد سميت هذه الرسائل بالعينية؛ لأن الأديبين ضمنا جميع كلمات رسائلهما حرف العين، لإبراز القدرة اللغوية، والموهبة الإبداعية في البيئة الأدبية الأندلسية. ولما لعبارة العين في الشعرية العربية من دلالات حافة متنوعة كمفهوم الرؤية الخاصة، وجوهر الشيء وقيمته الثمينة؛ فإن عيون الشعر أو الرسائل إنما هي درره. وقد شملت تلك الرسائل إشارات إلى تفوق الإبداع الأندلسي على الأدب المشرقي، واتسمت بالتفاعل في مستوياتها الدلالية والصوتية والتواصلية، مضمنة بعض الملامح النقدية، التي اعتمد في بعضها على الموازنة والمقارنة.
وأما الفصل الثاني فسيدرس فيه الانسجام النصي في الشعر الأندلسي) متخذا رثاء ذوي القربى نموذجا لدراسة هذا المفهوم النصي وفق مستوياته (المجازية، والتداولية، والدلالية)، وقد عُني باختيار هذه الأشعار ؛ لارتباطها الوطيد بالقائل والمناسبة؛ فكانت
ملائمة لدراستها وفق هذا المفهوم. وفي الفصل الثالث من هذا الباب ستبرز القيم النقدية في كتاب المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية)، التي كانت بارزة في المعجم الشعري، وما اشتمل عليه من روافد لغوية ونحوية ومجتمعية، وكذلك كانت جلية في مواطن التناص بقيمتيه التأثيرية والمعرفية، وأيضًا ما احتوى عليه الكتاب من إشارات نقدية حول المضمون، والصورة والمحسنات البديعية. وأما الفصل الأخير في هذا الباب فقد تضمن الصباحيات في شعر ابن زمرك دراسة وفق مفهوم المركز والهامش)، والصباحيات هي الأشعار التي كان ينشدها الشاعر صباحًا عندما يلتقي الغني بالله - أحد الحكام في عصر دولة بني الأحمر – وقد وظف مفهوم المركز والهامش في دراستها؛ نظرًا لارتباط هذه الأشعار بسمات مركزية، وذلك بإنشادها في زمن الصباح، وتوجيهها إلى شخصية الحاكم، وفي الوقت نفسه تتصف هذه الأشعار بتهميش كثير من الدلالات والمجازات لجعل المركز حاضرًا في شخصية الغني بالله؛ وهو ما أدى إلى أن يكون هذا المفهوم الأدبي واضحا في كثير من المستويات الإبداعية في أشعار الصباحيات. وقد شمل الباب الثالث موضوعات في مسالك الشعرية الأندلسية، أولها (الشفاهية في
المرتجلات الشعرية الأندلسية في عصر دولة بني الأحمر)، وسيدرس وفق أهم مبادئ النظرية الشفاهية التي كانت بارزة في أشعار هذا الموضوع، وقد وظفت هذه النظرية بما اشتملت عليه من مبادئ وأساليب منهجًا في دراسة هذه الأشعار؛ لأن مبادئها اتخذت أساسا لتمييز النص الشفاهي ومعرفة خصائصه قبل مرحلة الكتابة؛ ولاتفاق خصائص النص الشفاهي مع الأشعار التي نظمت ارتجالا أو بداهة بعد مرحلة الكتابة فقد جعلت
هذه النظرية نهجا ومنهجا لدراسة هذا الموضوع. وسيدرس في الفصل الثاني من هذا الباب (فضاء الشكوى في شعر ابن زيدون)، وذلك بعرض بواعثها وفضاءاتها التي تجلت في الشكوى من العشق والهوى، والشكوى من الحساد، والغربة، والسجن، والزمن. وسيختم هذا الباب بموضوع (الشاهدة الشعرية في الأدب الأندلسي)، والشاهدة الشعرية هي النصوص التي أوصى شعراؤها أن تكتب على قبورهم، أو أمروا بكتابتها، أو كتبها شاعر زائر ، وقد شمل هذا الموضوع الإشارة التاريخية لهذه الظاهرة في المشرق العربي، وكذلك في البيئة الأندلسية، مع إيضاح ملامح تطورها التي أضحت عادة وتقليدًا في جنائز الحكام في عصر دولة بني الأحمر، كما وضح في عرض الموضوع مدى تأثير هذه الأشعار في الشعراء وتفاعلهم معها.
وبعد؛ فأسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد في هذا الكتاب، وأن يكون فيه الفائدة والجديد للمكتبة الأدبية العربية، وأن يسهم في فتح المجال لدراسة إرثنا الأدبي العربي الزاخر بالموضوعات في جميع البيئات والعصور، التي تحتاج إلى البحث والدراسة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين»
ويعد هذا الكتاب مرجعًا مهمًا في الأدب الأندلسي الذي عانت مكتبته على مدى عقود من شح في المصادر والدراسات النقدية والأدبية والتاريخية.
وقد صدر هذا الكتاب عن الدار العربية للعلوم ناشرون.