المتتبع للبيئة الثقافية التي صدرت فيها مجلة العربي الكويتية عام 1958، يجد هيمنة ثقافية لبعض الدول العربية، وكانت الأجواء السياسية مشحونة؛ حيث وُقّعت اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا، وسقطت الملكية في العراق في ذلك العام، وارتفع صوت القومية العربية، في ظل تراجع تأثير الصحف الخليجية، التي كانت تواجه فكرًا ثقافيًا يمكن وصفه -دون مبالغة- بأنه إقصائي إلى حد ما. كانت تلك الصحف غير مؤثّرة وفي بداياتها آنذاك؛ وربما كان هذا الجو السياسي الذي نشأت فيه مجلة العربي هو ما دفع مؤسسيها إلى اتخاذ شعار: «يكتبها عرب ليقرأها كل العرب».
ومنذ صدورها عام 1958م، قبل حوالي 66 عامًا وحتى اليوم، شكّلت مجلة العربي الكويتية رمزًا ثقافيًا عربيًا متميزًا، ومنبرًا معرفيًا شعبيًا في زمن ما قبل الإنترنت. فقد رسمت هوية جديدة لمعنى المجلة الثقافية، بعيدًا عن الأيديولوجيات السياسية. يظهر ذلك في أن رؤساء تحريرها الأوائل كانوا من مصر والعراق، كما شارك في كتابة مقالاتها أبرز الأدباء والشعراء والمفكرين العرب، مثل طه حسين، والعقاد، ونجيب محفوظ، ونزار قباني، وفاروق شوشة... وغيرهم من وجوه الثقافة العربية القدامى والمعاصرين.
العربي ليست مجرد مجلة؛ بل كانت مسرحًا مصورًا للترويج للثقافة بمفهومها الواسع، عبر إصداراتها الفصلية، ومجلة الطفل، والندوات الثقافية، والمسابقات، والأبواب الصحفية المتنوعة. كما كانت «هدية العدد»، التي تُعلّق على الجدران في معظم البيوت العربية، علامة مميزة. ساهمت المجلة في تشكيل المثقف العربي، وليس الخليجي فقط، باستخدام تقنيات صحفية متطورة، مثل الصفحات الملونة، والورق المصقول، والاستطلاعات الصحفية، التي جعلت المدن العربية في متناول القارئ الخليجي والعربي -ربما لأول مرة-. إنها مجلة تعدّ جزءًا من وجدان جيل عربي كامل، أثّرت فيه، فأثراه.
وفي عام 1969، صدر العدد الأول من سلسلة المسرح العالمي، وهي سلسلة من المسرحيات العالمية المترجمة لكبار الكتاب المسرحيين العالميين. ساهمت هذه المسرحيات في تنمية الوعي الفني المسرحي وإثرائه فكريًا وأدبيًا من خلال الترجمة المحكمة والتحليل الفني، الذي أشرف عليه كبار الأدباء والفنانين، وعلى رأسهم زكي طليمات، الذي كان له دور بارز في نهضة الحركة الفنية في الكويت.
كما ساهمت مجلة الثقافة العالمية، التي صدرت عام 1981م، في مد جسور ثقافية مع الأدب العالمي والثقافات المختلفة. ساهمت الترجمة في سد الفراغ الذي كانت تعاني منه المكتبة العربية في هذا المجال، مما أسهم في تشكيل ثقافة الناشئة في بلدان الخليج والعالم العربي. وقد برزت نتيجة ذلك أسماء أدبية وثقافية استفادت من هذا التنوع الثقافي في الإنتاج العلمي، على مدى سنوات عديدة.
** **
- منيف بن خضير الضوي