لم يكن الأستاذ الدكتور محمد الرميحي أكاديميًا متخصصًا في علم الاجتماع بقدر ما كان مفكرًا فذًا ومثقفًا فخمًا نادر المثال. لا يمكن قياس عطاء الدكتور الرميحي من خلال ما قدمه من كتب وأبحاث ومقالات فحسب، بل يجب النظر بعمق إلى إصراره الشديد على تبني المواهب الواعدة من الطلبة والباحثين طوال مسيرته الأكاديمية. ولعلني شخصيًا أحد هؤلاء المحظوظين الذين كان للأستاذ «أبو غانم» الفضل في تحفيزهم لمواصلة الدراسات العليا والعودة إلى الجامعة كزملاء له. حبنا له يعود أيضًا إلى دوره في توجيهنا ونقدنا بأسلوب ملهم من خلال ابتساماته المشجعة، مما دفعنا لنكون أفضل سواء على مستوى التدريس أو التفكير أو كتابة الأبحاث وغيرها.
البروفيسور محمد الرميحي يمثل خلطة نادرة من المفكر والمثقف. إن ما قدمه للفكر والثقافة طوال حياته، وخصوصًا خلال فترة ترؤسه للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كان انعكاسًا لمرحلة تاريخية مهمة من التطور الثقافي في دولة الكويت خلال تسعينيات القرن الماضي. لقد غزت منشورات المجلس الوطني الشارع العربي بجودتها الفكرية والثقافية المتميزة، وكانت تنفد كمياتها في الساعات الأولى من نزولها إلى الأسواق. لا تزال كلمات عالم الاجتماع المصري الراحل الأستاذ الدكتور محمود عودة تتردد في ذهني، حين أشار إلى تلك المنشورات وسرعة نفادها قائلاً: «هذه هي الكويت، وهذا هو سر تأثيرها على النخب المثقفة». ويعود الفضل في ذلك إلى جهود العديد من المفكرين الكويتيين، وعلى رأسهم الدكتور الرميحي.
لم يتوقف الدكتور الرميحي عند هذا الحد؛ بل استمر في إبهارنا بمقالاته الرشيقة في مفرداتها والعميقة في تحليلاتها، التي نشرت في الصحف المحلية الكويتية والخليجية والعربية. كانت هذه المقالات تعالج، بفطنة تحليلية فريدة، قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية. كما تناولت كتاباته قضايا المستقبل، خاصة انعكاس التطورات التكنولوجية الهائلة على الفرد والمجتمع. باختصار، نحن أمام مفكر شمولي (Holistic Thinker) سخَّر السوسيولوجيا لخدمة قضايا المجتمع الخليجي خاصة، والمجتمع العربي عامة.
** **
أ.د. علي الزعبي - عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت
dr.alzuabi@gmail.com