لا ريب أن المجلات الثقافية الكويتية ومنذ أكثر من ستة عقود، أدت دوراً كبيراً في نشر الثقافة وإنارة العقول ورفع مستوى ثقافة القارئ العربي، من خلال ما تنشره من بحوث رصينة ومقالات جيدة واستطلاعات مصورة، فهي صحافة رزينة لا تهدف إلى الربح المادي، ولا تتدخل في شؤون السياسة، ولا تثير النعرات القبلية. وما زالت مجلة العربي مستمرة في الصدور، وهي إحدى المنارات الفكرية المهمة التي حملت اسم الكويت إلى الآفاق البعيدة وخير سفير لدولة الكويت، وكان صدورها قبل الاستقلال بنحو 3 أعوام، ووصل توزيعها إلى أكثر من 300 ألف نسخة! وهي ذات طباعة راقية وجميلة تنافس أشهر المجلات الأوروبية، وتباع في كل الأقطار العربية بثمن زهيد؛ لكي يتمكن الجميع من قراءتها واقتنائها، فلا يكاد يخلو بيت من وجود أعداد من هذه المجلة التي حققت شهرة كبيرة وانتشاراً واسعاً، وإن اضطرب توزيعها في السنوات الأخيرة، وصرنا لا نجدها تباع في المكتبات والأسواق! وكانت مجلة العربي في البداية تصدر عن دائرة المطبوعات والنشر، وتطبع في مطابع الحكومة التي أنشئت في منتصف الخمسينيات الميلادية، والتي كانت ترسل بعثات من الشباب الكويتي إلى مطابع ألمانيا وإنجلترا؛ لتعلم فنون الطباعة والتجليد والإخراج والتدبيس وغير ذلك. وتعد الكويت أكثر دولة عربية دعماً للثقافة، والحكومة الكويتية - ممثلةً في وزارة الإعلام- تنفق بسخاء على طباعة المجلات الثقافية وعلى تلك السلاسل الجميلة، وتتحمل تكاليف شحنها إلى كل أرجاء العالم، وتشارك في كل معارض الكتب المحلية والخارجية؛ لكي تصل مطبوعاتها إلى القارئ في كل مكان، وتحقق الأهداف النبيلة التي أنشئت من أجلها، فلا أحد كان يصدق أن هذه الدولة الخليجية الصغيرة تصدر كل هذا الحشد من المجلات: الفصلية والشهرية والأسبوعية بجميع أنواعها وتوجهاتها. وفي كتاب «موسوعة الصحافة الكويتية» الصادر قبل 3 أعوام توثيق مفصل لمعظم ما صدر من مجلات وصحف قديمة، سواء ما صدر قبل الاستقلال، أو ما صدر بعد أن نالت الكويت استقلالها عام 1961م. وقد كان قرارا موفقا عندما أنشئ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 1973م، وكلف الشاعر الأستاذ أحمد بن مشاري العدواني بمنصب الأمين العام للمجلس الوطني، والمشرف على إنشائه وتأسيسه، وصاحب فكرة مطبوعاته وسلاسله المتنوعة. ثم انضمت مجلة العربي قبل سنوات إلى مطبوعات المجلس الوطني، وأصبحت تحت مظلته وإشرافه، وبقيتجلة الكويت تابعة لوزارة الإعلام، التي ما زالت تصدرها ولكنها تعاني من بعض المشكلات، مثل: مشكلة سوء التوزيع, وقلة الاشتراكات الحكومية والأفراد. وهي ما زالت منتظمة في الصدور منذ عام 1980م، وكانت ترفق مع بعض الأعداد كتيبات لطيفة هدية لقرائها عن بعض الشخصيات الكويتية التي ساهمت في بناء النهضة التعليمية والثقافية، بعنوان «كتاب الكويت»، ومن أبرز تلك الأسماء: يوسف بن عيسى القناعي، وعبدالله زكريا الأنصاري، وفاضل خلف. ولا يقتصر دور المجلس الوطني على إصدار الكتب وطباعة المجلات، بل يمتد إلى إقامة المهرجانات الثقافية، والإشراف على القصور التاريخية، وترميم المباني التراثية والمتاحف. وعن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تصدر مجموعة من المجلات والسلاسل الجميلة، التي ما زالت تجد إقبالاً جيداً من القراء في معارض الكتب، لا سيما سلسلة عالم المعرفة. ومن أبرز مطبوعات المجلس الوطني: عالم الفكر، وعالم المعرفة، والثقافة العالمية, وعالم المسرح، وإبداعات عالمية، وجريدة الفنون التي تعنى بالفنون، من سينما ومسرح وموسيقى وفنون تشكيلية، وقد صدرت عام 2001م؛ بمناسبة اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية، وكان رئيس تحريرها د. محمد الرميحي. ومن أهم الأعداد الخاصة التي أصدرتها العدد الخاص عن الأستاذ نجيب محفوظ بمناسبة وفاته. ومن أسف أن تتوقف هذه المجلة القيمة فجأة بصدور العدد 183، ووزع مع العدد الأخير كتيب صغير عنوانه «رواد الحركة التشكيلية في الكويت»، وقبل سنوات أصدرت كتيبا جميلا عن المطرب الشهير عبداللطيف الكويتي. وسأتوقف قليلا عند مجلة عالم الفكر، وهي مجلة فصلية محكمة، تعنى بنشر البحوث المطولة والدراسات النقدية، وكانت في سنواتها الأولى تصدر بحجم مجلة «فصول» المصرية. هذه المجلة القيمة التي كانت دسمة في بحوثها ودراساتها الجادة، أصدرت أعدادا خاصة ستكون مرجعا للباحثين، أشير هنا إلى بعضها: حضارة الأندلس، ودراسات في التراث، وأدب الرحلات، والفكاهة والضحك، والجنون في الأدب، وفلسفة التاريخ، وأدب المراسلات. أتمنى في الختام من دولة الكويت الشقيقة أن تظل مصدر إشعاع ثقافي، وأن تستمر مجلاتها في الصدور دون انقطاع، وأن تحاول أن تتغلب على مشكلة سوء التوزيع!
** **
- سعد بن عايض العتيبي